د. صالح عبدالله الحمد
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم ارحم واغفر لوالدي ووالديهم وجميع المسلمين عامة يا رب العالمين. والحمد لله القائل في كتابه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (30) سورة الزمر، والقائل سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (34) سورة لقمان.
في يوم الاحد الموافق 1-3-1437هـ تناقلت وسائل الاتصال الاجتماعي خبر وفاة الشيخ محمد جارالله الغزي الشهير بأبي غزي وحينما اطلعت على الخبر حزنت كثيرا ليس لوفاته كل نفس ذائقة الموت وكلنا كالنا إلى الموت اللهم أحسن ميتنا وأحسن خاتمتنا وجميع المسلمين، لكنني تأثرت كثيراً لما لهذا الرجل الكريم الشهم من أهمية كبيرة في قريته المنسف التابعة لمحافظة الزلفي فهو إمام مسجدها الذي يصلي فيه عدد كبير من المارين والعمال وكريم المنسف ذو الباب المفتوح ليلا ونهارا للزائرين والفقراء والعمال في كل وقت ولاسيما في يوم الجمعة حيث إن أعمال القرى المجاورة يأتون لتأدية الصلاة ويتناولون طعام الغداء المعد لهم على أحسن هيئة وعلى أحسن كرم ناهيك عن الانضباط الدائم لتأدية الصلاة في شهر رمضان المبارك واجتماع كافة عمال القرى المجاورة لتناول طعام الإفطار والعشاء وتأدية الصلاة حتى الانتهاء من صلاة التراويح الذي يقدم في نهايتها جزء هام من الطعام لهؤلاء العمال وبحكم ترددي الكثير مع طريق هذه القرية عبوراً للقرى الأخرى ألاحظ تواجد هذا الشيخ عند باب منزله المفتوح في كل لحظة.
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه وأسكنه الفردوس الأعلى. اللهم إن كنا فقدنا هذا الرجل الشهم الكريم ذا الأخلاق الطيبة والتواضع الجم والحرص على متابعة الفقراء والضعفاء فعوض هذه القرية بأبنائه الكرام الذين لانألو جهداً إلا أنهم سيسيرون على طريقة والدهم في جعل شمس هذه القرية لا تغيب أبداً وجعل منزل والدهم مكاناً مستمراً يحضر إليه الفقراء من كل مكان كالعادة السابقة وليكون مسجد الشيخ ابوغزي منارة للعلم والعبادة يحضر إليه المصلون في كل وقت ولاسيما في يوم الجمعة وفي شهر رمضان.
رحم الله الشيخ ابي غزي إذا ذكر الكرم والكرماء والتواضع والمتواضعين فإن في مقدمتهم ذلك الرجل العابد الكريم الزاهد طل الوجه الذي يرتاح كثيراً حينما يرى مجلسه مليئاً بالضيوف على مختلف طبقاتهم، فالكل منهم يجد احترامه وتقديره وتقديم الطعام على خير ما يرام سيفقد الجميع ذلك الشيخ العابد التقي حتى الطيور التي ترابط قريباً من منزله تجد الطعام والماء والهدوء والظل وكل ما تحتاجه.
سيفقده العمال الكثيرون الذين يحضرون من القرى المجاورة لتأدية الصلاة ويحضرون بعدها مأدبة الغداء الكبيرة المعدة بانتظام واهتمام ليس له مثيل يجتمع فيه الغني والفقير وفي وسط الأسبوع وخلال الأيام كلها هو كذلك على هذا المنوال كريماً ومتواضعاً.
رحمك الله ياشيخ محمد جارالله الغزي رحمة واسعة فأنت إذا ذكر الكرماء فأنت في مقدمتهم لأنك تحرص على الضيف إذا كان غنياً أو فقيراً بل وتحرص على كافة العمال المجاورين تتفقد أحوالهم وتدنيهم منك يتناولون الطعام معك في كل مناسبة وفي كل لحظة.
ليعذرني أبناء وأقارب الفقيد يرحمه الله وغفر له انني حينما أكتب هذه الكلمات المتناثرة المتواضعة بحقه فهذا جزء صغير مما أحسه اتجاه هذا الرجل الكريم الذي سمعت عنه كثيراً ورأيت بأم عيني باستمرار بابه مفتوحاً حينما أمر من الطريق المؤدي إلى القرى الأخرى التي أزورها باستمرار كما ذكرت نظراً لتواجد اصدقاء عديدين لي في تلك القرى بحمد الله.
لقد رحل هذا الرجل بعد صبر واحتساب على ما ابتلاه الله من مرض فهذا بحمد الله دليل على تكفير ذنوبه إن شاء الله قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (155-157) سورة البقرة، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر، لا أحب ان أطبل كثيراً لكنني في نهاية حديثي هذا أدعو الله لهذا الرجل من القلب بأن يغفر له ويتجاوز عنه وأن يجعله في الفردوس الأعلى من الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
وعزائي لأبناء الفقيد وأحفاده وأسرته وكافة أسرة الغزي الكريمة في محافظة الزلفي والرياض وكافة مدن المملكة عامة وإلى العمال الذين يتواجدون في منزل هذا الرجل الكريم في كل لحظة وكل يوم وكل مناسبة ولا أخال إلا أن الكريم لا يرث إلا كريما فثقتي كبيرة بأبنائه الكرام بأنهم سيسيرون على طريقة والدهم ليجعلو قريتهم منارة للكرم والتواضع كما بنى ذلك والدهم.
اللهم وفقهم وعظم أجرهم وألا يريهم مكروهاً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.