محمد بن عيسى الكنعان
من يتمعن في أعمار شباب فلسطين (بنين وبنات) الذين يسطرون - هذه الأيام - ملحمة المقاومة والرباط في المسجد الأقصى، وأكناف القدس، وباقي مدن فلسطين المحتلة؛ يجد أن أغلبهم صغار السن، أو من شباب العشرينيات، ما يعني أن الذاكرة الفلسطينية لازالت حيّة في ذاتها، وحيوية في تجلياتها تجاه دولة إسرائيل، بكونها دولة عدوان وكيان احتلال مهما قيل من وعود فيما يسمى السلام، ومهما تدفقت آلة الإعلامي الغربي بمزاعم حق اليهود التاريخي في فلسطين. ومهما مارست إسرائيل من إرهاب الدولة وارتكبت جرائم ضد الإنسان الفلسطيني أو العربي عموماً، تبقى الذاكرة الفلسطينية هي الحكم على أرض الواقع، وهي فيصل الحقائق، وهي مخزون منطق المقاومة في إشعال جذوة الجهاد في نفوس أبناء فلسطين.
خديجة المقدسية التي رابطت أياماً عند أبواب الأقصى، وفادي علون الذي استشهد بسلاح أمريكي يحمله جندي صهيوني محتل، وإسراء عابد التي وقفت شامخة في محطة الحافلات حتى أردوها الصهاينة شهيدة، وهديل الهشلمون التي استشهدت دفاعاً عن شرفها عندما رفضت التفتيش إلا من قبل امرأة إسرائيلية، هؤلاء وغيرهم كثير ممن لا نعلمهم، ويشكلون جيل النصر والتحرير بإذن الله؛ كيف بقيت نفوسهم متقدة بهذا العنفوان والكبرياء في وجه الطغيان الإسرائيلي، حتى إن الابتسامات تعلو وجوههم الوضيئة أمام عدسات الإعلام، وفي وجوه الصهاينة خلال عمليات الاعتقال أو المواجهات.
لقد شاهت صوراً لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الست سنوات وهم يواجهون الصهاينة بالحجارة، ويقفون أمام آلياتهم الدموية، كما شاهدت مقطعاً مصوراً لطفلة فلسطينية ذات السبع زهرات وهي تقسم بالله أنهم سيحررون فلسطين. لم يكن خطابها من بقايا الذل العربي الذي طفحت به مؤتمرات قمم العرب، بل كان يعّبر عن نفس متقدة، ووجدان صادق، ومشاعر الكرامة الإسلامية التي لا تقبل بيع فلسطين، وترفض أية مساومة على الأقصى.
لهذا فالصهاينة يعتقدون أن السلاح والقمع والقتل والاعتقال يمكن أن يكسر الإرادة الفلسطينية، فيواصلون إرهابهم منذ أكثر من 60 عاماً، وهذا وهم، فهذه الإرادة الصلبة تستمد قوتها من الذاكرة الفلسطينية الحية والمتجددة، ولن يستطيع الإسرائيليون وبالدعم الغربي المستمر أن يمحوا هذه الذاكرة، أو العبث بها أو تشويهها، فجينات العزة والكرامة والإباء تنتقل من جيل إلى جيل، ومن الآباء والأمهات الفلسطينيات إلى أولادهم، حيث تبقى إسرائيل دولة احتلال وبغي وعدوان، فيواصلون مسيرة التحرير بخيار المقاومة وقوداً تحت راية الأقصى، يقول الرسول- عليه الصلاة والسلام-: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».