عبد الله باخشوين
في حقوق الملكية.. هناك أسس وقوانين واضحة منذ الأزل بين الخاص والعام والمشاع.. ولا يجوز الخلط في هذا التصنيف مطلقاً.
وحتى لو سألت أبسط الناس فإنه لن يجد صعوبة في التفريق بين المعاني الإنسانية المتوارثة.
لأن الخاص هو ما تملك أو ورثته شرعاً من أرض ومتاع.. لا يجوز لأحد أن ينتزعه منك أو ينافسك ويحاجَّك في ملكيته.
والعام هو ما بين كل الملكيات من شوارع وطرق وساحات.. يشاركك فيها بالتساوي كل من يريد الاستفادة منها.
أما المشاع فهو الخلاء من جبال وأودية وصحارى ومساحات بيضاء وخارج نطاق ما هو خاص وعام.. وهذه تشمل كل أرض تحميها الدولة التي تعدها داخل جغرافية حدودها.. لكن ليس من حق مواطن فرد أن يدعي أنها من ممتلكاته؛ لأن حق ملكيتها للدولة وحدها.. وهي التي تقرر لمن تهبها أو تمنحها دون أن يعارض حكمها أحد.. إلا إذا سُنَّ قانون يفرض قيوداً وشروطاً على المنح.. أما حين تعتدي على أملاك خاصة، وتستولي عليها بما لديك من قوة معتقداً أنه لن يقوى على ردعك أحد.. وتستخدم ما لديك من نفوذ لتثبيت سطوتك ونفوذك.. فإنك تحيل الأمر كله لأصحاب أو لصاحب الملكية الخاصة.. وهم أنواع.
هناك من يمكن أن ترسل إليه (رجالك)؛ ليرهبوه؛ فيتنازل عن ملكيته طبعاً بحكم خوفه.. ويقول: ((أرض الله واسعة))، ويبحث عن مكان آخر.
وهناك من تضطر للتفاوض معه وتعطيه ((قرشين)).
وهناك من هو مثلى.
فجأة يجدك تحتل كل أملاكه دون ((إحم)) أو ((دستور)).. تحتلها وتقول: ((إذا ما عجبه خليه يضرب رأسه في الجدار)).. و.. ولا جدار.. و.. ياهووة.. كيف.. وليه.. ولن يجد جواباً.
«ليش أنا.. يعني ما لقي إلا أرضي.. فين أروح؟.. لمن اشتكي؟.. هذا ما يصير.. هذا مو عدل»..
لكن لن يجد من يسمع أو يصغي.. أو حتى يلتفت لما يقول.. لأن نفوذ صاحبنا خطر.. والاقتراب منه أخطر، وإذا اشتكيت.. أو أعلنت ضيقك.. فكل من حولك سينظر إليك بريبة.. وخوف ممن تدعي عليه.. وتجد نفسك مطروداً من ملكيتك.
وعندها عليك أن تقرر.. هل تستسلم لحالة ((الطرد)) التي أصبحتَ فيها.. دون أن تجد من ينصفك ويعيد لك حقك.. أم أنك سوف تقاوم ولن تستسلم.. وتجعل أرضك غير صالحة لأن يسكنها أحد سواك.
وللحق، فإن المقاومة مشوقة أكثر من الاستسلام.
أنت في الاستسلام تخضع.
وفي المقاومة لا تثور.. لأن لا أحد سوف يقبل ثورتك أو يصدق أسبابها.. لكنك سوف تعيد اكتشاف نفسك.. وطاقتك.. وصبرك، وقدرتك على المناورة والتكتيك.
في المقاومة تجد الغائب منك.. أو على الأصح تجد القوي فيك، وهو ذاك الذي يستظل بك بعيداً عن كل إشكالاتك.. ثم عندما يرى الظلم الذي حل بك.. يضطر للتدخل، ويزيحك عن الطريق؛ ليتصدى للأمور التي عجزت عن حلها بطريقة خاصة.. خالية من الشكوى والتوسل الذي لا يجد من يصغي إليه أو يصدقه.. وكي يعيد لك حقوقك الخاصة التي انتُزعت منك..
سوف يتبع معك وفيك وبك أسلوباً جديداً.. لم تألفه، ولم تعتقد أن مواهبك المحدودة يمكن أن تكون فيها طاقة أخرى.. لا يعرف مَنْ اعتدى على حقوقك أنك قادرٌ عليها.
أذكر أنني شاهدت فيلماً فرنسياً عن فرنسا المحتلة من الألمان في الحرب العالمية الثانية.. فبعد مناورات بين البطل والأعداء.. يلجأ المقاوم إلى قلعة.. كان يلعب فيها هو وأقرانه خلال طفولته.. ويحارب الأعداء من داخل القلعة فيقوم بـ((تفخيخ)) الغرف والممرات.. والمواقع التي سوف يسلكها العدو؛ ليمر في الطريق الذي يصل منه إليه.. وهي طرق وممرات يعتقد العدو أنها آمنة.. وإن كانت قابلة لأن يضيع فيها؛ لأنه لا يعرف ((القلعة))، ولم يسلك ممراتها.. ومن المواقع التي يظهر فيها ويختفي يدمر كل قوة العدو الذي يضطر لملاحقته من هنا إلى هناك عبر مسالك يجهلها.
ينتصر على عدو طاغٍ وشديد الشراسة.. بمناورات اصطاد عدوه من خلالها.. وواقع حاله يؤكد أنه لا شيء لديه يمكن أن يخسره سوى حياته - وهي رخيصة بالفعل - أمام حجم الخسائر الفادحة التي يتكبدها عدوه في العتاد والمال والرجال.
يخرج من القلعة متعباً وهو يضحك بنوع من الهستيريا.. فقد استعاد حياته بالجزء الأكثر خصوصية من طفولته وتاريخه الذي ارتبط بالقلعة؛ فكادت تصبح جزءاً مهماً من ملكيته الخاصة.. فهي الجزء الأكثر خصوصية الذي قاد إليه العدو.. ووضعه في مصيدة، لا يمكن النجاة منها.. وكل ما في الأمر أنه استدعى كل المهارات والقدرات الخاصة التي لم يكن يعتقد أنها موجودة لديه أصلاً.. لذلك فإنه لا يوجد من هو أكثر شراسة وضراوة من رجل انتُزع منه كل ما يملك، وتم احتلاله داخل ملكيته، ودون وجه حق.. فوقف وحيداً.. لا أمل لديه.. ولا حل.. ولا ملجأ.. سوى الدفاع عن نفسه بشراسة بعد أن تأكد تماماً أنه لم يبق لديه أي شيء يخسره.