عبد الله باخشوين
لم يعد يصح أن تبقى الولايات المتحدة هي الجدار الهائل الذي يقف امام الوصول لـ((أمريكا الجنوبية)).. بحاجز ((اللغة)) أولاً.. حيث إنه خلف ذلك الجدار تنتهي اللغة الإنجليزية لغة السهولة في التخاطب والتداول.. لتبدأ لغات أخرى كالإسبانية والبرتغالية وغيرها.
وحاجز اللغة ظل يفرز إشكالات الجنوب الفقير في مواجهة الشمال الغني.. أول وأهم هذه الاشكالات تمثل في تبني الجنوب بنسب متفاوتة للفكر الثوري اليساري.. بداية من كوبا التي كانت مافيا القمار واللهو في الشمال تعدها مرتعاً خصباً يغني عن انفاق أموال طائلة لتطوير ((لاس فيغاس)) في صحراء نيفادا.. وغني عن القول إن مافيا القمار يهيمن عليها اليهود الذين يمولون مرشحي الرئاسة عن الحزب الجمهوري خاصة.. مقابل تنفيذ بعض ((الاصلاحات)) التي يرونها مناسبة لتطور أعمالهم.. ومناسبة لدعم دولة إسرائيل.
أما بعد نجاح كاسترو.. ومقتل غيفارا في بوليفيا.. ووقوف خرشوف الحازم في ازمة ((خليج الخنازيز)). فقد عمدت الولايات المتحدة للوقوف كجدار صلب امام دول الجنوب.. وحاصرتها وتدخلت في شؤونها.. بحجة توجهها اليساري احياناً وبحجة تصديرها للمخدرات والمهاجرين الفقراء وغير المتعلمين الذين يحملون الخزانة الامريكية اعباء كثيرة دون تحقيق عوائد على البلاد نتيجة هذه الهجرة المكثفة.. التي جاءت معها تجارة المخدرات بمافياتها الكبيرة والخطرة التي وجدت في أسواق أمريكا مرتعاً خصباً لها.. ودفعت معظم دول العالم لمحاصرتها بسن قوانين تحول دون قدرتها وغسل أموال المخدرات وتحويلها إلى مال شرعي حر الحركة والاستثمار والتبادل.
في ظل هذه الصورة التقليدية.. قامت الولايات المتحدة بمبادرة جزئية من أوباما بكسر إطار سياسة العداء لكوبا ((العدو التقليدي)) لكل رؤساء امريكا منذ كيندي حتى الآن،
وأخذ يتجه بالعلاقة بين البلدين نحو التطبيع.
أما العلاقات العربية مع دول أمريكا الجنوبية فكانت تخضع لكل أمراض اليسار الثوري منذ مطلع الستينات في لعبة الحروب الصغيرة والمناورات السياسية التي تذكي نار العداء لأمريكا والغرب.. في ظل وجود الاتحاد السوفياتي الذي كان يميل لإشعال مثل هذه الحروب الباردة فيما تعتبره الولايات المتحدة باحتها الخلفية.
أما طبيعة العلاقات الجنوبية مع المملكة ودول الخليج.. فهي علاقات صداقة ومصالح متبادلة على المستوى التجاري والمالي وعلى ترسيخ أطر المنفعة المشتركة في أسواق البترول ومنظمة أوبك.
وكان انفتاح العرب على الثقافة والأدب اللاتيني يتم بجهود ذاتية في الترجمة والنشر.. ولم يتم تحقيق تبادل ثقافي وفني في أي إطار رسمي رغم اننا نعرف أن معظم تلك الدول لديها آداب وفنون متطورة جداً.. كانت أمريكا أول من استثمرها واستفاد منها وطور وجدد كثيراً من معطياته من خلال موروثها الخصب.
فيما تركنا كل ذلك واتجهنا لكرة القدم التي تطورت بدورها عبر كل من قدم إلينا من دول أمريكا الجنوبية.
لذا لابد لنا أن ننظر لدعوة الملك سلمان لعقد مؤتمر تحتضنه الرياض لقادة أمريكا الجنوبية ومعظم قادة البلاد العربية على انه فكرة عبقرية مبتكرة ومتقدمة وذات توجه ايجابي بعيد المدى.. ذلك أن تطور الاحداث في المنطقة العربية.. يريد أن يعيد موازين القوى لعهدها السابق قبل تفكك الاتحاد السوفياتي.
يريد أن تكون روسيا.. هي البلد الوحيد الذي يقف في مواجهة أمريكا ويعيد بناء قوة ايران لتكون ((شرطيا روسيا)) هذه المرة وبطائفة إسلامية.. هي أقلية ولكن متفوقة على كل الاكثرية التي يرى الروس انها موالية لأمريكا والغرب بشكل عام.
ذلك ان بوتن هو ابن المؤسسة العسكرية القوية للاتحاد السوفياتي.. ولابد أن تبقى قوتها مع وجود ((زبائن)) و حلفاء.
هنا يأتي سلمان وأمريكا الجنوبية.
أو قل ان الرأي الثالث حضر من خلال سلمان بن عبدالعزيز والرأي الثالث ماذا يريد أن يقول لدول أمريكا الجنوبية.. وماذا يريد أن يسمع.. إن الرؤيا الأكثر وضوحاً تؤكد على اهمية دخول دول أمريكا الجنوبية في علاقات وشراكات استراتجية مع دول الخليج والعرب.. لابد من تشييد قواعد أكثر قوة ومتانة وحيوية للتبادل المتنوع الأهداف والأغراض..خاصة وأننا قادرون على تقديم العون للدول الفقيرة.. والاستفادة من مواردها ومن أسواقها أيضاً لابد أن نزيل الجدار العازل.. ونتوجه لأمريكا الجنوبية اقتصادياً وسياسياً.. لنحول دون إعادة تقسيم العالم لكتلتين.. روسية - أمريكية.. لابد أن نلغي هذا الطموح.. ونوئده في مهده بإقامة علاقات.. بعيدة عن سوء النوايا.. وقادرة على تلبية كل الاحتياجات التي تحول هذه الدول من مشاهد إلى مشارك.. وشريك يتفاعل مع ما يمكن ان ينشأ من مصالح استراتيجية قادرة على المساهمة في تطوير القدرات والبنى التحتية.