عملية إطلاق العسكريين نجاح للدولة اللبنانية.. والمملكة تدعم لبنان على مدى تاريخه ">
بيروت - منير الحافي:
وصلت مسألة العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى جبهة النصرة في أول الشهر الحالي إلى خواتيمها السعيدة، بإطلاق سراحهم، بعد ستة عشر شهراً في الأسر. وشملت عملية التبادل، إطلاق سراح ستة عشر عسكرياً من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، إطلاق السلطات اللبنانية سراح 13 مسجوناً إسلامياً كانوا في السجون اللبنانية. كذلك شملت إطلاق سلطات النظام السوري سراح 12 محتجزاً لديها. كذلك شملت الصفقة بعض الإجراءات من جانب السلطات اللبنانية في المنطقة المحيطة بعرسال اللبنانية مثل تأمين الجرحى ونقل المواد الاغاثية. غير أن عملية التبادل التي أشرف عليها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، كان قد سبقه إلى رئاسة «خلية الأزمة» الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير مكلفاً من الدولة اللبنانية. «الجزيرة» زارت الأمين العام في مكتبه في السراي الحكومي، ووقفت عند رأيه في عملية التبادل والصعوبات التي واجهته في بدايات عملية التفاوض مع النصرة وداعش. وخير، يشغل في الوقت نفسه مهمة الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، التي تعمل على مساعدة النازحين اللبنانيين والسوريين، وهو أثنى على الدور السعودي المهم في دعم لبنان واللاجئين فيه. وفيما يلي نص اللقاء كاملاً.
* حضرة اللواء محمد خير، كيف تنظرون إلى ما أنجزته الدولة اللبنانية عبر التبادل مع جبهة النصرة وإطلاق سراح 16 عسكرياً من قوى الأمن الداخلي والجيش مقابل عدد من السوريين واللبنانيين من السجون اللبنانية والسورية؟
- هذا إنجاز وطني، وهو إنجاز لكل مواطن صالح في الدولة اللبنانية. وهذا الإنجاز لم يكن ليتم لو لم يكن هناك تنسيق تام بين أركان الدولة اللبنانية وعلى رأسهم رئيس الحكومة تمام سلام، وبالتنسيق بين كافة الأجهزة الأمنية. وفي الحقيقة، كنتُ انا مديراً لملف العسكريين المختطفين قبل تكليف اللواء عباس ابراهيم. وللتذكير، أنه بعد اختطاف العسكريين في أواخر تموز - يوليو 2014، حصل اجتماع أمني في السراي الحكومي برئاسة الرئيس سلام وحضور بعض الوزراء المختصين في الأول من شهر آب - أغسطس 2014، وكان الوضع متأزماً نظراً للعدد الكبير من الأسرى اللبنانيين لدى النصرة وداعش.
وفي الاجتماع تمت دراسة كيفية الرد على الإرهابيين، وكان الموضوع حساساً جداً، واراد دولة الرئيس إيجاد جهة من الدولة اللبنانية تستطيع أن تفاوض المسلحين الخاطفين في تلك الفترة. ووقع الخيار عليّ. وقلت للرئيس إنني لا استطيع بمفردي أن أنجز الملف من دون أن يكون معي سلطات وهيئات، فتوافقنا أن يكون معنا كدولة، هيئة العلماء المسلمين للتفاوض مع الخاطفين. وعُقد اجتماع في الليلة نفسها بحضور هيئة العلماء وكانوا متبرعين بحماس لمساعدتنا على إنجاز الملف. واثر هذا الاجتماع، بحضور وزيري الداخلية والعدل، تم التفاهم على ان تكون هيئة العلماء صلة الوصل مع المسلحين. وفي اليوم التالي حصل اجتماع مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، وتم التفاهم على ان يجري وقف إطلاق نار ويصعد وفد من العلماء المسلمين إلى عرسال للتفاوض مع المسلحين. لكن أثناء صعود الشيخ الرافعي والشيخ كلش ومعهم علماء آخرون والمحامي نبيل الحلبي، وقبل وصولهم إلى البلدة، جرى إطلاق النار عليهم وأصيب الشيخان الرافعي وكلش ونقلا إلى مستشفيات بيروت.
ولقد استطعنا في الأيَّام الأولى من الخطف أن نقنع المسلحين عبر التفاوض أن يطلقوا سراح خمسة عسكريين لبنانيين، وبعد عشرة أيَّام تقريباً استطعنا أن نطلق سراح ثلاثة، وبعد عشرة أيَّام أخرى أطلق المسلحون عبر التفاوض كذلك خمسة عسكريين إضافيين.
* ماذا كنتم تعطون للنصرة في مقابل إطلاق العسكريين؟
- لم نعطهم إلا الكلام الذي يحبون أن يسمعونه. الكلام عن الخوف من الله وما شابه ذلك.
* خلال هذه المدة الطويلة، انتقل الملف إلى الأمن العام. كيف تم ذلك؟
- نحن عقدنا حوالي 30 اجتماعاً لخلية الأزمة (أزمة المخطوفين لدى داعش والنصرة). وعاد الملف ودخل في ظروف معقدة. تم تكليف اللواء عباس ابراهيم، مدير عام الأمن العام بملف التفاوض، لتسريع ملف التفاوض، لان عنده قدرات وتجهيزات تمكنه من التواصل مع كل الأطراف المعنيين سواء داخل لبنان أو خارجه. ولقد تعقد الملف، وكان يدخل أطراف إلى جرود عرسال، فالتجأ الرئيس سلام بعد عدة اجتماعات ثنائية معي ومع اللواء عباس ومع خلية الأزمة، إلى أن يسرع المفاوضات. وكان التفاوض يجري تحت ضغط «السكين» فقد قامت النصرة بذبح عسكريين واحداً تلو الآخر. واذكر ان ذبح العسكري الثاني حصل بعد الخطة الأمنية التي حصلت في طرابلس وتحديداً في بيت التبانة، من هنا اضطررنا الى ان نوقف التفاوض، فكيف نفاوض مسلحين يضعون السكين على رقاب عسكريينا. عند ذلك لجأ الرئيس سلام إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء وأخذ تفويضاً بأن تقوم خلية الأزمة بأخذ القرارات المناسبة لإطلاق العسكريين.
* هل انتهكت برأيك كرامة الدولة اللبنانية في عملية التفاوض كما قام بعض وسائل الإعلام والشخصيات بوصفها؟
- حقوق الدولة اللبنانية تُنتهك في كثير من المواقع. إسرائيل مثلاً تنتهك الحقوق اللبنانية في الجنوب. نحن مضطرون للجوء إلى أي مساعدة لإطلاق سراح عسكريينا. واللواء عباس لم يأخذ القرار من نفسه، بل اخذ القرار بمعرفة الرئيس سلام وخلية الأزمة وباعتقادي بمعرفة ورضى كل المسؤولين اللبنانيين للوصول إلى أفضل النتائج واقل الأضرار. ولا تنسَ أن النصرة كانت تطالب بمطالب يستحيل تحقيقها من قبل الدولة. فقد كانوا يطالبون خلال المفاوضات بإطلاق 500 سجين من السجون اللبنانية وبإطلاق 200 امرأة ورجل من السجون السورية. ومن بين هؤلاء مسجونون محكومون بالإعدام والمؤبد، ومنهم محكومون بتفجير متفجرات. فالدولة اللبنانية لم تقبل هذه المطالب أبداً.
* وماذا أعطيتم النصرة في النهاية؟
- رأساً برأس. أي عسكريونا يقابلهم عدد من الموقوفين أو من الذين انتهت محكوميتهم.
- حضرة اللواء، يبقى في الأسر لدى تنظيم داعش 9 عسكريين لبنانيين. كيف سيتم التعامل مع هذا الملف؟ ستعودون إلى التفاوض مع داعش؟
* الطريقة التي استعملت مع النصرة أثمرت في النهاية وإن أخذت وقتاً. الآن سنعتمد الطريقة ذاتها وسيكون اندفاعنا أقوى مما كان.
أساسا لم يتوقف ملف التفاوض مع داعش، لكن هم أوقفوا التفاوض بسبب عدم وجود مفاوض حقيقي بينهم وبسبب وجود «زعماء» كثر بينهم.
* حضرة اللواء، سننتقل إلى ملف آخر، فأنت الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة. كيف يسير العمل في هذه المؤسسة التي تُعنى هذه الأيَّام بالنازحين خصوصاً. وماذا تطلبون من الأشقاء العرب، خصوصاً المملكة؟
نحن عندما نتحدث عن المملكة العربية السعودية، لا نستطيع إلا أن نقدر ونشكر هذه الدولة التي لطالما وقفت على مدى تاريخ لبنان مع بلدنا. نحن نتعاون كهيئة عليا للإغاثة مع مؤسسات المملكة في هذا المجال وبشكل قوي وودي. والهلال الأحمر السعودي يقدم باسم المملكة مساعدات للنازحين السوريين وللنازحين اللبنانيين أيضاً. فالمساعدات التي تأتي عبر الهيئة يذهب ثمانون في المئة منها للنازحين السوريين وعشرون في المئة منها للنازحين اللبنانيين الذين هم من قرى لبنانية داخل الأراضي السورية (مثل قرية الطفيل)، نزحوا إلى لبنان ويبلغ عددهم حوالي أربعين ألف شخص. وإذا كان هناك لبنانيون دون مستوى المعيشة، نقوم بمساعدتهم كذلك. ونحن نوصل للسلطات السعودية عبر سفير المملكة علي عواض عسيري مطالبنا بالاحتياجات. وهو مشكوراً، يساعدنا بالمطلوب ضمن الإمكانيات المتاحة.
ونحن كدولة لبنانية وهيئة عليا للإغاثة برعاية الرئيس سلام والرئيس سعد الحريري الذي يقف دائماً إلى جانبنا، نطلب من المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز والقيادة السعودية الكريمة، أن يظلوا إلى جانبنا ويدعمونا في عمل الإغاثة، والمملكة معروفة بعمل الخير ووقوفها دائماً إلى جانبنا. ونحن دائماً نطلب من المؤسسات السعودية التنسيق معنا بهدف مساعدة السوريين واللبنانيين المحتاجين. وجزاهم الله كل خير.