د. عبد الله المعيلي
بعد أن كثر تذمر الناس وضيقهم من بطء كثير من الأجهزة التنفيذية الحكومية بل وتخلفها عن مسايرة اهتمام الدولة وإنفاقها على المشاريع التي تخدم المواطن وتحقق له الرفاهية المأمولة، بعد أن كثر التذمر غالبًا ما يوجه للمسؤولين التنفيذيين بعد أن يتقاعدوا من عملهم، الاتهامات واللوم على عدم مواكبتهم طموحات الدولة، فيوجه لهم التساؤل التالي، أين أنتم عندما كنتم على رأس العمل؟ لماذا كل هذا التقصير والتخلف والإهمال؟
بطبيعة الحال لكل مسؤول مهما كان موقعه، ومستوى مسؤوليته وصلاحياته، دور في صناعة النجاحات التي يفترض أن يحققها والغايات التي ينشدها الجهاز الذي أوكل له قيادته وتسيير أعماله، لأن منظومة تسيير العمل وتفعيله لا تعتمد على فرد واحد مهما كانت قدراته الإدارية، بل تعتمد على تفاعل مجموعة العاملين في الجهاز وتعاونهم بصفتهم فريق عمل واحد، يتفاعلون معًا، ويكمل كل منهم الآخر ويعضده في عمليات الأداء، وإنجاز المهمات المحددة للجهاز، مدفوعين بحب الجهاز والانتماء له، مسلحين بما يمتلكونه من قدرات وإمكانات، وبطبيعة الحال تختلف تلك المهمات حسب المستوى الإداري، فالجهاز التنفيذي معلومة مهماته، وكذا الجهاز التشريعي من وزارات وغيرها.
ومما هو معلوم أن لكل مستوى عملاً من الأعمال سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، مهمات وصلاحيات خاصة به وغايات محددة، وعلى الموظف أن يلتزم بأداء المهمات وفق الصلاحيات الممنوحة له، والإمكانات المتوفرة لديه، ولا يحق له الاجتهاد مهما كانت الأحوال، لأنه محكوم بخطة معتمدة من الجهاز الأعلى ـ إن وجدت - وتوافر المستلزمات اللازمة للإنجاز، والكفايات البشرية المؤهلة المدربة.
وبناء على هذا، فقادة الأجهزة - وأخص الوسطى منها -، والعاملون فيه غالبا ما يعرفون مشاكل الجهاز ومعوقات الأداء فيه، ومتطلبات الحل والمعالجة، ولكن لسان حالهم، مثل حال الذي يقول: العين بصيرة، واليد قصيرة، الكل يعرف مواطن الضعف، ومتطلبات الأداء التي تحقق الغايات المنشودة وبأعلى درجة ممكنة من الإتقان والجودة، لكنهم لا يمتلكون الصلاحية ولا الميزانية المالية التي تخولهم إجراء ما يلزم من تعديل أو تطوير.
لذا فقائد الجهاز وحسب مستوى موقعه الإداري - وأخص الذين يعملون خارج الوزارات - لا يستطيع ذلك، وبهذا فهو معذور، ولا يتحمل مسؤولية أوجه النقص والتقصير لأن صلاحيات العمل لا تخوله أن يوفر المستلزمات و الكفايات البشرية المؤهلة، ولا صناعة برامج ومشروعات أو تعديلها وتطويرها حسب ما يتبين له من نواتج الأداء، فالبرنامج الذي لم يحقق الغاية المنشودة منه لا بد من إجراء تعديلات فورية عليه تعالج أوجه الخلل والتقصير، وإلا يعد الاستمرار فيه عبثاً وهدراً للمال العام لا مسوغ له مهما كانت الأحوال.
والأشد تعقيداً وتأثيراً مما سبق ذكره، توفر البيئة المناسبة المهيأة للعمل، مادياً ومعنوياً، فأي نقص فيها يؤثر على المخرجات المأمولة، فمثلاً عندما يتقرر تطبيق نظام تعليم معين، أو طرائق تدريسية وأساليب تعلم ولا يتوفر في المبنى المدرسي ما يلزم لتنفيذ النظام، فإن الفشل حتمًا يكون مصير هذا النظام، المبنى المدرسي وما يجب أن يشتمل عليه من مرافق مساعدة ليست من مسؤولية الجهاز التنفيذي، بل هو من مهمات المسؤولين عن تصاميم المباني المدرسية، فكيف يلام المسؤول التنفيذي ويحمل تبعات الفشل، والأمر ليس بيده؟.
أقول للائم:
تأن ولا تعجل بلومك صاحبا
لعل له عذراً وأنت تلوم.