د. عبد الله المعيلي
شبه أحد القادة الكبار في وزارة المعارف «سابقاً» مسيرة التعليم قبل أكثر من ثلاثة عقود، بأنها تشبه العجلة الضخمة التي تسير كيفما كان، وأن المسؤولين عن التعليم في الوزارة وفي إدارات التعليم لا حول لهم ولا قوة في السيطرة على سير هذه العجلة والتحكم فيها وضبطها لتسير في الاتجاه الصحيح، علما أنه لا توجد رؤية ولا اتجاه محدد، حيث اقتصرت جل الجهود على المسايرة ومحاولات للتحكم وضبط الاتجاه لكن دون جدوى، فمسيرة العجلة أقوى من أي جهد للضبط، ومحاولة للإصلاح والتطوير.
في أحد الاجتماعات الاسبوعية «كل أربعاء» التي كان يعقدها وزير التربية والتعليم آنذاك محمد الرشيد -رحمة الله-، وكانت اجتماعات مفيدة جداً تربوياً وإدارياً واجتماعياً، أثرت خبرات المسؤولين، وساهمت في تجديد أواصر التواصل بينهم وتعزيزها، وكان الموضوع الرئيس في ذاك الاجتماع يدور حول كثرة ما يصدر من الوزارة إلى الميدان التربوي من تعاميم وتعليمات، وأنها باتت تشكل عبئاً على الميدان التربوي لكونها لا تحمل جديداً، وبالتالي فهي ليست بذات الجدوى التربوية والإدارية المتوقعة.
وفي معمعة التعليقات والإيضاحات عن جدوى التعاميم وأهميتها، طرح أحد المسؤولين التساؤل التالي، وكان غريباً جريئاً (لو أقفلت الوزارة أبوابها مدة فصل دراسي كامل، هل سيتأثر الميدان التربوي؟)؛ مظنة القول أن العجلة ستظل تسير وفق ما جرت العادة عليه، وما تعوّد عليه قادة العمل التربوي الميداني، أعني مديري المدارس والمعلمين والمشرفين التربويين، ولن تتأثر عمليات التعلم بغيبة الوزارة البتة، ولن يشعر المعنيون بهذه الغيبة، لأنه ليس لدى الوزارة برامج ومشروعات وخطط تخشى عليها خلال فترة انقطاع التواصل.
قال هذا المسؤول مقولته، جاداً أم مداعباً.. الأمر سيان، واقع الحال يؤكد هذا وتصدقه، المدارس تسير وفق رؤية مديريها ومعلميها واجتهاداتهم، إنهم المتحكمون أصلاً في عمليات التسيير الرتيبة التي غالبا لا تختلف من عام لآخر على الرغم من المستجدات والمتغيرات المتوالية، التي يجب مواكبتها ومواجهتها بوضع البرامج التعليمية التي تعزز تحصين الشباب من آثارها، والمشروعات التربوية التي تعد بمثابة التطبيق العملي لما تعلموه وخبروه في مواقفهم التعليمية.
مضى على هذه المقولة أكثر من عشرين عاماً، وما أشبه الليلة بالبارحة، فمازالت العجلة تسير نفسها، ومازالت هي الأقوى والأقدر على التحكم في مسيرة العملية التعليمية، وهذا أمر بدهي، نظراً لغيبة الرؤية التي يفترض أن تضبط عمليات التعلم والتعليم وتتحكم فيها، كي يحقق المخرجات المأمولة.
كل الأمم التي تعد التعليم استثماراً، وتعد مخرجاته ثروة وطنية تضاهي مصادر الدخل الأخرى تدرك أهمية، وتوليه قيمة وأولوية مطلقة على كل أوجه الإنفاق. وهنا يأتي السؤال الأهم، هل الأمر مجرد إنفاق؟.. أم إنفاق في ضوء روية مبرمجة محددة المراحل والغايات؟..
إنه من نافلة القول إن الإنفاق يجب أن يكون في ضوء رؤية محددة.
بناء على هذا، ما واقع الإنفاق عندنا؟، إن الإنفاق على التعليم كما الإنفاق على الوزارات الأخرى، مخصصات تصرف وفق أبواب وبنود، وقد طالبت الوزارة أن يكون الإنفاق وفق مشروعات وبرامج يكمل بعض الآخر حتى تنجز بالصورة المحددة غاياتها، وما لم يؤخذ بهذا ستظل الحال تراوح ومكانها دون جدوى وفائدة.