د. عبدالرحمن الشلاش
جغرافية مدينة جدة كونها تقع على ساحل البحر جعلتها بين مطرقة بحرها وسندان السحب الكثيفة العابرة. كميات الأمطار الغزيرة التي هطلت على عروس البحر الأحمر جعلتها بين بحرين متلاطمين: بحرها القديم بمده وجزره، وبحور الأمطار التي فاضت بها الشوارع المصمتة، فالأرض تمسك الماء، حيث لا تجد نقطة المطر طريقاً سالكاً كي تنفذ إلى الأرض لذلك تجمّعت مليارات النقط المطرية لتشكِّل بحراً هائجاً يبتلع كل من يأتي في طريقه، ويطمر كل ما ظهر على وجه الأرض من سيارات وأرصفة وبسطات وأكشاك.
جغرافية جدة الصعبة لن تكون مبرراً قوياً لبقائها كل هذه السنوات دون تصريف متميز ينهي حالات المعاناة المستمرة من سنوات! كلما لاح البرق على جدة هرع السكان من الخوف من كارثة قادمة. رغم أن هذه المرة لم تكن الأولى إلا أن المطر حين نزل وجد شيئاً على حاله لم يتغيَّر إلا من رتوش لم تحل المشكلة. بين 2011 و2015 ما الذي تغيَّر، أم أن المطر قد جاء ليؤكِّد مرة أخرى سوء البنية التحتية في ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية، وليكشف مزيداً من إخفاق التنفيذيين في أمانة جدة، وفي مشاريع الطرقات الطويلة والتي تشرف على تنفيذها إدارة الطرق بمنطقة مكة المكرمة. كأن المسئول في الأمانة وفي إدارة الطرق قد ترك مهامه في فحص قوة مشاريع التصريف للمطر لكنه لم يدرك أن مع المطر قد يحدث الغرق والموت وتدمير الممتلكات.
الملايين المرصودة من الدولة كفيلة بحل مشكلات التصريف نهائياً، لكن ربما هناك سوء في التخطيط وأكثر سوءاً في التنفيذ، وضعف متابعة أدى إلى تسلّم مشاريع غير منفذة بطرق نموذجية، ولعل في المساءلة السريعة الحل؛ فكل ريال تخرجه الدولة من خزينتها يجب على الجهات الرقابية التأكد من نظامية صرفه، فليست أصابع اليد واحدة فقد تغفو بعض الضمائر وقد تمرض وقد تموت ضمائر أخرى حسبناها حيَّة متقدة. الدولة تخصص الميزانيات الكبيرة، وليس أمام مَن هم في المستويات التنفيذية إلا تحمّل هذه الأمانة العظيمة والعمل لإنجاز مشاريع تحل هذه المشكلات.
سيول الثلاثاء أقل بالتأكيد من المرات الماضية إلا أننا لا نضمن أيضاً أن تكون أخف وأقل وطأة في كل مرة ما يعني أن المسارعة في المعالجة ولا غير الحل الوحيد كي نعيد للعروس بريقها الذي فقدته، فالعبث بها وخربشة وجهها الجميل طيلة السنوات الماضية جعلنا نتوق لجدة العروس، جدة أم الرخاء والشدة، جدة التاريخ الأصيل والجغرافيا بموقعها الإستراتيجي الفريد الذي جعلها الميناء رقم واحد على سواحل البحر الأحمر الطويلة، وبوابة المملكة الأولى للعالم الخارجي عبر البحار والمحيطات، وبوابة المملكة للداخل، حيث تستقبل البضائع المختلفة حتى الإبرة.
مشكلة سيول جدة لا بد من معالجتها بأسرع ما يمكن كي لا يتكرّر ما حدث ثم نعود للموضوع لنتحدث عنه مرة أخرى بحثاً عن المتسببين ومن قصّروا في أعمالهم. لتكون جدة فعلاً غير قولاً وعملاً لا بد من إصلاح شبكاتها لتستقبل المطر بكل شغف، وليبتهج الناس بالقادم المنتظر.