د. أحمد الفراج
عندما كتبت عن الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت (1932-1945)، قلت إنه يعتبر واحداً من أفضل ثلاثة رؤساء أمريكيين، بجانب الرئيسين، جورج واشنطن، وإبراهام لينكولن، وأضيف هنا أنه يزيد عليهما بكونه رئيساً استثنائياً، أما لماذا يعتبر استثنائياً؟!، فذلك لأنه هو الرئيس الأمريكي الوحيد، الذي فاز بأربع فترات رئاسية، وبالتالي حكم الولايات المتحدة لمدة ثلاثة عشر عاما، وربما لو لم يداهمه الموت، لحكم أطول من ذلك، وكان قبل فوزه بالرئاسة الأمريكية حاكما لولاية نيويورك، معقل المال والأعمال في أمريكا، ومعقل أسرة روزفلت الأرستقراطية الشهيرة، وقبلها سيناتورا، ومساعدا لوزير البحرية، وقد فعل كل ذلك، دون أن يعلم الشعب الأمريكي أنه مصاب بشلل الأطفال، ولا يقوى على المشي!.
لقد حصل روزفلت على شهرته لسببين، أولهما، أن عهده صادف فترة الأزمة الاقتصادية الكبرى، أو ما يسمى «الكساد الكبير»، وهي فترة كالحة في التاريخ الأمريكي، وقد تصدت لها إدارة روزفلت بما يطلق عليه «العهد الجديد» (الإصلاح)، وثانيهما، أن روزفلت هو الذي أعلن دخول الولايات المتحدة للحرب العالمية الثانية، وذلك بعد ضرب اليابان لميناء بيرل هاربر الأمريكي، ووفاة عدد كبير من العسكريين، وهي الحرب التي انتهت بضرب اليابان بالقنابل النووية، وانتصار الحلفاء، وإعلان أمريكا نفسها كقوة عالمية، ومن ذكريات تلك الفترة أن روزفلت أمر بسجن المواطنين الأمريكيين من أصل ياباني خلال الحرب، وعدهم كبير جداً، ومع أن روزفلت حكم لمدة طويلة، إلا أنه رحل قبل أن يقطف ثمرة جهده، فقد كان ذلك من نصيب الرئيس هاري ترومان، نائب روزفلت الذي خلفه في الرئاسة، فقد كانت فترة رئاسة ترومان فترة ازدهار حقيقية على جميع المستويات.
لقد سن الرئيس الأول لأمريكا، جورج واشنطن سنة حسنة، وهي الحكم لفترتين رئاسيتين فقط، أي ثمان سنوات، وقد أصبحت عرفا غير ملزم، والتزم بها كل الرؤساء الذين جاؤوا بعده. هذا، ولكن فرانكلين روزفلت كسر هذه القاعدة، ورشح نفسه لفترة رئاسية ثالثة، وفاز، ثم لفترة رابعة، وفاز أيضاً، ولكنه توفي خلالها، وحتى لا يتكرر كسر القاعدة التي أسسها جورج واشنطن، فقد تم تعديل الدستور الأمريكي، بعد وفاة روزفلت، حيث أصبحت الرئاسة محصورة بفترتين رئاسيتين فقط، ورغم أن روزفلت تحجج بأن كسره للقاعدة كان بسبب الظروف التي كانت تمر بها الولايات المتحدة (الكساد الاقتصادي والحرب)، إلا أن هذه ليست حجة مقنعة، خصوصاً وأنه كان مريضاً، عندما ترشح للمرة الرابعة، وهنا ندرك ضعف الإنسان أمام السلطة، حتى في أعتى الديمقراطيات، وحتى لو كان سياسياً بحجم روزفلت، ومع ذلك فقد تم تصنيفه كأحد أفضل ثلاثة رؤساء في تاريخ أمريكا السياسي، والخلاصة هي أن روزفلت رئيس استثنائي، لن يتكرر مرة أخرى، بقوة القانون الأمريكي!!.