محمد سليمان العنقري
ليس اتهاما بالقصور للخطط التنموية الخمسية التي اعتمد العمل بها منذ العام 1970م بقدر ما هو قراءة تهدف للاقتراب من لب المشكلة الاقتصادية التي لم تنه ملفات رئيسة على رأسها البطالة والسكن وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد لتنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة إيرادات الخزينة العامة وخفض الاعتماد على إيرادات النفط في الإنفاق بالاقتصاد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وإذا ما اخذنا البطالة كاحد أهم أهداف خطط التنمية بمعالجتها فمن المهم التذكير للقياس بما جاء بالخطة التاسعة التي انتهت العام الماضي فقد تضمنت خفض نسبة البطالة إلى 5.5 في المائة وقد كانت النسبة ببداية العمل بها عام 2010م عند 9.6 في المائة لتنتهي النسبة بنهاية الخطة عام 2014م عند 11.6 في المائة أي ارتفاع بعشرين بالمائة مما يشير إلى أن الخطة التنموية كانت بعيدة عن الواقع ولم تتوافق مع توجهات الإنفاق المعتمد بالموازنات خلال سنوات الخطة وهو ما يطرح التساؤل الأهم لماذا لم تكن الميزانيات تعتمد ما جاء بالخطة الخمسية حتى تكون الأهداف المرسومة بها قابلة للتحقق؟.
فالبطالة تتحمل مسئووليتها الخطط التنموية بجوانب أخرى لا ترتبط بما يعتمد بالميزانيات فاذا كان العجز بالكوادر الطبية الوطنية يصل إلى أكثر من 70 في المائة وبوجود حوالي 26 كلية طب فإن الخلل يكون من الخطة التنموية بأن لم تفرض على الجامعات قبول إعداد أكبر حتى تتقلص هذه الفجوة وفق جدول زمني لا يتعدى 10 أعوام فاذا بقينا بهذه الطريقة بأساليب القبول ونسبها فإن الفجوة لن تتقلص حتى بعد 50 عامًا وذات الأمر ينطبق على تخصصات الهندسة إِذ يوجد 200 ألف مهندس وافد ومن في حكم تخصصات الهندسة بينما عدد السعوديين 35 ألف مهندس مما يؤكد بعد وزارة الاقتصاد والتخطيط عن دورها بوضع أهداف لتقليص هذا الفارق الضخم بعدد المهندسين السعوديين قياسًا بما يحتاجه سوق العمل ويتم تغطيته بالوافدين وخلاصة القول إن ما تتحمله وزارة الاقتصاد والتخطيط انها لا تقوم بدور فعال لوضع خطط للقبول بتخصصات يحتاجها الاقتصاد حتى يتم استيعاب جزء كبير من خريجي الثانوية فيها وهو ما يسمى بتوجيه القبول الجامعي والمهني حتى يتم رفع إعداد الكوادر الوطنية باحتياجات بتخصصات رئيسة فالجامعات لن تعرف باي حال احتياجات الاقتصاد والفجوة التنسيقية بينها وبين سوق العمل لا تغطى إلا بخطة تضعها وزارة الاقتصاد والتخطيط مبنية على معلومات كاملة. أما على الجانب الآخر من مسؤوليات الوزارة فهو ما يتعلق باحتياجاتنا من التصنيع للسلع والمنتجات التي نستورد جلها وكذلك الخدمات فأين دور الوزارة بتوجيه خطهها لتكون فاعلة بزيادة عدد المصانع وربطها بما ننتجه من مواد خام ووسيطة واستثمار للمدن الصناعية والاقتصادية وتكرار تجربة الجبيل وينبع بأكثر من موقع ومجال تصنيعي فهذا التطور سيقود إلى إيجاد فرص عمل مجزية بتلك المشروعات سواء بوظائف مباشرة أو غير مباشرة، ولا تختلف المشكلة في قطاع الإسكان فبالرغم من أن كل الخطط السابقة تضمنت استهداف بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية لكن شيئًا من ذلك لم يتحقق إلا بنسب أقل بكثير من الاحتياج الحالي والمستقبلي مما يدل على أن الخطة وضعت على أساس أرقام يحتاجها الاقتصاد لتلبي الطلب بينما افتقرت لتفاصيل توضح كيف يمكن الوصول للنتائج المستهدفة بالرغم من أن تنشيط سوق الإسكان يؤدي لتوليد مئات الآلاف من فرص العمل وجذب استثمارات ضخمة.
قبل أيام وجه انتقاد للخطة التنموية العاشرة القادمة من قبل أعضاء بمجلس الشورى حسب ما نشر بوسائل إعلام مختلفة بأنها لم تبن وفق رؤية تناسب وضع السوق البترولية وتقدير الإيرادات الحكومية التي يتوقع أن تستمر بالتراجع إذا بقيت أسعار النفط عند هذه المستويات أو أعلى بقليل لسنوات ومدى إمكانية إنفاق مبالغ ضخمة تضمنتها الخطة التي رشح بالإعلام بأنها ستتجاوز تريليوني ريال خلال خمسة أعوام قادمة وعلى الرغم من أن الرقم ليس بالضرورة هو ما ستنفقه الحكومة بل قد يكون من ضمنه ما تتوقعه الخطة من إنفاق استثماري من القطاع الخاص حيث ذكر بأن 700 ألف وحدة سكنية يتوقع أن يبنيها القطاع الخاص من أصل ما يفوق مليون وحدة بقليل كهدف بالخطة إلا أن التقديرات والأرقام للإنفاق ليست هي المشكلة بقدر ما يجب أن تكون الخطة عميقة بتفاصيل معالجة كل ملف بالاقتصاد وعلى رأسها البطالة بدلاً من معالجات انتجت توظيف وهمي وكذلك فجوة بين ما ولده الإنفاق الحكومي من فرص بقطاعات كالإنشاءات محدودة المتطلبات والدخل وليس فيها استقرار حتى تكون مجزية لشباب الوطن وبين ما يثمر عن فرص عمل تدعم التتمية وتزيد بإنتاجية الاقتصاد وتقلل من الريعية وتوفر سلع وخدمات تقلص فاتورة الاستيراد التي تخطت 650 مليار ريال العام الماضي.