د. حمزة السالم
متى أصبحت الفائدة على التمويلات العقارية في بلادنا مقاربة للفائدة على السندات الحكومية السعودية، فهنا يسجل نجاح باهر للتمويلات السكنية في بلادنا.
فاليوم السندات الحكومية الأمريكية لثلاثين عاماً تدفع فائدة مقدارها 3 %. والقرض التمويلي السكني لمدة 30 عاماً، يدور حول 3.75 %. بينما القرض السكني في بلادنا يدور حول 7.5 %.. فالمواطن الأمريكي يمكنه أن يقترض مبلغ 500.000 يسددها خلال 25 عاماً بدفعة شهرية مقدارها 2570 ويكون مقدار مجموع الفوائد لهذا القرض هو 271.196. بينما نفس القرض والمدة تكلف المواطن السعودي دفعة شهرية مقدارها 3695 وينتهي من سداد قرضة وقد دفع فوائد تبلغ 608.486 أي أن السعودي يدفع فوائد على قرضه السكني أكثر من الأمريكي بما يقارب مرتين ونصف.
وقد يقال إن الدول المتطورة التي حققت ذلك لأبنائها، لم تصل لذلك في عام أو عامين. فأقول ونحن قادرون على أن نصل لذلك في أقل من عام، بالرغم على اتساع الفجوة بيننا وبينهم في فهم الديناميكية التمويلية في القطاع العام والخاص وفي المجتمع كذلك.
فالجهاز الحكومي عندنا معطل فيه ثروات هائلة لديه بسبب عدم محاولة الإبداع والابتكار. وحل ذلك يكمن في الاستغلال الأكمل للموارد، وعدم إهدارها من غير مستفيد لها في المجتمع. وهو ما يسمى في الاقتصاد «الوزن الميت» لأنها أرباح تضيع على الدولة والمواطن والبنوك.
وسر الاستغلال الأمثل في التمويلات، هو النظر إلى الكلفة التي جعلت المواطن السعودي يدفع فوائد مضاعفة مرتين ونصف عن المواطن الأمريكي، رغم أن أرضية الفائدة عندنا وعندهم واحدة. (وإن كان كلفة النقد عندنا أعلى بـ75 نقطة تقريباً وهو الفرق بين السايبر والايبور).
ولتقريب الفكرة، فلو افترضنا أن شخصاً اشترى سيارة من دبي بمبلغ 100 ألف. فوجد أن قيمة السيارة 90 ألفاً والعشرة آلاف الزيادة هي قيمة توصيلها لحائل مثلاً. فمعرض السيارات لا يتربح من التوصيل لأنه متعاقد مع شركة نقل. فإن طلبت منه تسليم السيارة لك في دبي، وذلك لتوفر وسيلة مجانية عندك أو أقل كلفة لنقل السيارة. بل قد يتوفر لك وسيلة نقل توصل لك السيارة لحائل، ويعود توصليها عليك بأرباح بدلاً من الكلفة.
فالجميع هنا رابح، ولن تكون هناك ثروة مهدرة، أي «وزن ميت». فربح معرض السيارات لن ينقص، بينما نقصت الكلفة عليك بمقدار عشرة آلاف أو أكثر. فلو كنت ستشتري 100 سيارة فأنت الآن قادر على شراء 110 سيارة، ففي الواقع الربح كذلك أكبر لصاحب المعرض.
وهذه هي نفسها قصة كلفة الفائدة. فمعدل 7.5 % الذي تحتسبه البنوك على القروض السكنية لمدة 25 عاماً يمكن تخفيضه إلى أقل من 4 % وذلك بتحمل الحكومة كلفة البنك التي لا تكلف الدولة.
فالجهاز الحكومي عموماً فيه إهدار عظيم في طاقته الإنسانية والمالية والسلطوية. فهو يئن من انخفاض الإنتاجية بسبب البطالة المقنعة أو بسبب عدم توجيه الموظفين للإنتاجية، بطرق مبتكرة. وفيه كذلك إهدار لاستغلال درجته الإئتمانية.
فالضمانات لا تكلف الدولة شيئاً يذكر، وذلك بمجرد استخدام اسمها كضامن، فإذا أضيف لذلك هندسة نموذج مالي لوديعة تعمل كضامن وكاستثمار، فإن الضمانات قد ترجع بعوائد للدولة. فمتى ضمنت الدولة القروض والمنزل، سقطت نسبة ذلك من قيمة الفائدة. والتحوط ضد مخاطر الفائدة ممكن بهندسة مالية غير تقليدية، بعيداً عن المتبع عندنا في بنوكنا. فالدولة لديها فائض مالي عميق يمكنها أن تفعل ذلك بأرخص الكلفة أو حتى بلا كلفة. فما البنوك العالمية أكثر من حكومتنا سيولة. فما الذي يجعل البنوك العالمية تتكسب من تحملها مخاطر التحوط للغير، بينما لا تستطيع حكومتنا تحمل كلفة تحوطها.
هذا تبذير واضح وغير مبرر لموارد الدولة المالية، يتحمله المواطن، وغالباً لا تفوز به البنوك المحلية بسبب هزالة هندسة موديلات التحوط لديها.
فمتى زالت نسبة كلفة مخاطر تغير الفائدة عن البنوك والمخاطر الائتمانية، فيبقى في الفائدة البنكية كلفة التشغيل التي تنتج عن التمويلات. أي الكلفة التي لم تكن لتتحقق لولا القرض. وهذه كذلك يمكن حلها عن طريق التأمينات والتقاعد وبعض الوزارات الأخرى، بأساليب وطرق متنوعة. فما بقي للبنك إلا أن يضع كلفة النقد وهو السايبر وعليها ربحه الصافي وجزئية الكلفة الثابتة عليه، وحتى الأخيرة يمكن التفاوض فيها كذلك.
إن من السهولة بمكان، أن نخفض كلفة غالب التمويل السكني لأكثر من النصف فلا يتحمل بذلك السعودي كلفة لامتلاك منزله أضعاف ما يتحمله الأمريكي، فهل نحاول أن نستمع فقط، ولا ننتظر إلى أن تسبقنا دول ثم نحاول إدراكها. فوالله يجب أن نتزحزح من الجمود التمويلي التقليدي المكلف جداً لخزينة الدولة والمهدر لثرواتها السيادية والمالية.