محمد أبا الخيل
بعد اعتماد تعديلات نظام العمل بالمرسوم الملكي (م-46) وتاريخ (5-6-1436هـ)، تبين للمهتمين تعديل جوهري في النظام تمثل في المادة (77) التي نصت ضمنيًا على جواز إنهاء عقد العمل من دون سبب مشروع مع تعويض الطرف المتضرر وفُصِل التعويض في بنود المادة المذكورة، ومع أن النص كان متوازنًا في حقوق التعويض عن الضرر في حق العامل أو صاحب العمل، إلا أن المادة (77) فهمت من معظم المهتمين بالنظام على أنها إبراء ذمة للمتعسف في إنهاء عقد العمل، الذي هو في الغالب الأعم صاحب العمل أو من يمثله. ووجد البعض فيها تخلي وزارة العمل عن حماية الموظف من التعسف الذي عادة يقع على الموظف لأسباب لا تتعلق بطبيعة العمل أوحسن أو سوء الأداء. مع أن هناك من رحب باعتماده المادة (77) لكونها تحرر كثيرًا من قطاعات الأعمال من موظفين ليس لديهم ما يحتمون به سوى نظام العمل الذي كان يتيح لهم البقاء كعالة على العمل في وظائف غير منتجة.
كمتخصص في تنمية الموارد البشرية فإن موقفي من المادة (77) هو موقف المرحب بقرار طال انتظاره ولذلك لأسباب ثلاثة هي:
أولاً: نص نظام العمل في المادة (3) على أن العمل حق للمواطن، لا يجوز لغيره ممارسته إلا بعد توافر الشروط المنصوص عليها في النظام، والمواطنون متساوون في حق العمل. هذه المادة هي المنطلق الفلسفي لحق العمل فكما تتيح الدولة لصاحب العمل حق النشاط الإنتاجي الذي بدوره يولد الوظائف وتقوم بحمايته من المنافسة الأجنبية بقصر نشاطات تجارية وصناعية وخدمية على المواطن المستثمر وتحميه من منافسة المنتجات المستوردة، فهي بذلك تساوي بين صاحب العمل والعامل في الحماية من ضرر أحدهما على الآخر، ولكن هذا الأمر بات اليوم رهن تفكير جديد، فالدولة باتت تتيح الاستثمار الأجنبي في معظم النشاطات الإنتاجية، وخفضت الرسوم الحمائية للمستوردات المنافسة للمنتجات الوطنية التزمًا باتفاقيات التجارة العالمية، لذا بات من العدل معادلة الحماية الحكومية لطرفي العمل بمعايير جديدة، منها ضوابط تنظيمة تمثلت في تعديل العديد من مواد نظام العمل وإن كان التعديل الأهم هو تحرير صاحب العمل من الوجود القسري للعامل غير المنتج أو غير المريح.
ثانيًا: الوظيفة هي علاقة منفعة بين صاحب العمل والعامل، ويجب أن يجد كل منهما المنفعة التي تساوي منفعته للآخر، فإذا اختلت لسبب ما فإن أحدهما يستشعر ضررًا يجعله متحفزًا لرفعه، لذا وضع في نظام العمل مواد تتعامل مع هذه الحالة إن كانت طارئة، ولكن عندما يصبح الضرر مزمنًا، فكما يجوز للعامل إنهاء عقد العمل بالاستقالة غير المسببة، فإنه من العدل أن يباح لصاحب العمل الإقالة غير المسببة، وفي كل الحالات لا يتضرر من هذا الإجراء العامل المتميز وصاحب الكفاءة، الذي سرعان من يجد عملاً آخر أفضل مما ترك في معظم الحالات. وسيجد صاحب العمل فرصة للخلاص من عبء العامل المهمل وغير الفعال.
ثالثًا: ثبت بالمنطق والعقل والتجربة أن الحماية الحكومية للعامل من فقدان العمل، تشجع الركون والدعة وتخلق بيروقراطية غير منتجة وخصوصًا في الشركات التي تملك الحكومة فيها أغلبية، لذا أجد في المادة (77) حافزًا للإنتاج، وحافزًا للتطور في الأداء، حيث يعي الموظف أو العامل ألا حماية له إلا بما يبذل من جهد وينجز وينتج من منفعة، لذا أجد أن المادة (77) ستكون حافزًا لصاحب العمل لوضع المعايير والأدوات التي بها يستطيع تقييم موظفيه وهو بذلك يعزز العدالة الداخلية في منظمة العمل فتختفي المحسوبيات والتحزبات، حيث هي من طبيعة العاملين غير المنتجين.
المادة (77) سيكون لها أثر إيجابي على منظمة العمل في الشركات والمؤسسات السعودية وسيكون أثرها أعظم إذا ما تزامن تطبيقها مع تطبيق ضوابط الاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة، وأيضًا تم فتح الاستثمار الأجنبي في نشاطات جديدة تسهم في توليد وظائف جديدة.
لذا أتمنى من وزارة العمل بذل الجهد في تطوير تفتيش العمل وترخيص مزاولين له من القطاع الخاص، بحيث يطلب من كل صاحب عمل شهادة التزام بنظام العمل من مستشارين مرخصين تجدد كل عام. وبالله التوفيق.