محمد أبا الخيل
منذ سنوات عدة اطلعت على مقولة لرئيس شركة (جنرال إلكترك) الأسبق (جاك ولش)، قال فيها: «إذا اخترت الأشخاص المناسبين، ومنحتهم الفرصة لفرد أجنحتم، وجعلت لهم عوائد دافعة، فلن تحتاج في الغالب لإدارتهم». تذكرت هذه العبارة منذ أيام وأنا أعد مشروع خدمات، يقدمها مكتبنا للمديرين التنفيذيين؛ إذ كنت أتصفح عدداً من كتب الإدارة التي تتحدث عن التميز التنفيذي، وخصائص الرئيس التنفيذي المتميز للشركات والمؤسسات، فلم أجد ميزة اجتمعت حولها تلك الكتب أكثر من ميزة القدرة على اختيار الأشخاص المناسبين. فمعظم الشركات الكبرى أو تلك التي نمت بصورة مثيرة للإعجاب كان على رأس هرمها التنفيذي رئيس يجيد اختيار الموظفين. واختيار الموظفين المتميزين هو عملية مستمرة، لا تنتهي بمجرد تعيين الموظف المناسب في المكان المناسب، بل تشمل التقييم المستمر للأداء، والتحفيز، وتذليل العقبات، وتطوير كفاءات ذلك الموظف.. وهذا - لا شك - عملٌ يستلزم الوقت والجهد والاهتمام.
سألت ذات مرة رئيس شركة معادن المهندس خالد المديفر «ما نسبة ما تخصصه من وقتك التنفيذي في اختيار وتطوير منظمة العمل في معادن؟». فقال لي دون تردد (40 %). رئيس معادن أحد القيادات الإدارية السعودية الناجحة، وهو من صنف القادة الذين قادوا مؤسساتهم لنجاحات ملحوظة. وأنا أذكره هنا حتى لا يقال إننا نضرب أمثلة بعيدة عن واقعنا. فالرئيس التنفيذي المتميز هو ذلك الذي يولي منظمة العمل الاهتمام الكافي؛ فيعمل على هيكلتها بصورة فاعلة، ويختار الأشخاص المناسبين في الوظائف القيادية، ويتولى ذلك بنفسه، ويضع الحوافز المناسبة، ويشعل في أذهانهم هم المنافسة للمؤسسات الأخرى، ويخلق بيئة تنفيذية شفافة، تعزز التعاون والتضافر في داخل منظمة العمل، وهو بذلك يؤسس لنمط بيئة مؤسسية شاملة.
الرئيس التنفيذي المتميز يعي أن الوقت المحدد للعناية بمنظمة العمل مقدس ومحدد، ولا يخضع للتجاوز بفعل تبدل الأولويات. فليس من السهل الانضباط في تخصيص ذلك الوقت إذا كانت أولويات العمل لديه تتغير تبعاً للظروف؛ فأكثر ما يشتت اهتمام الرئيس التنفيذي بمنظمته هو سيادة شخصية التاجر المنافس؛ فتصبح كل نشاطاته الداخلية والخارجية في المنظمة هي بيع وشراء وإصرار على الكسب الواضح في كل عملية، وهذا ما يقود في الغالب لإهمال منظمة العمل، والتركيز على الدور الذاتي للرئيس؛ فتترهل منظمة العمل، وتفقد التجانس والانسجام، ويتسرب منها الموظفون المتميزون؛ وبالتالي تسير نحو الفشل، ويجد الرئيس التنفيذي نفسه بعد ذلك بلا منظمة يقودها.
لذا يحتاج الرئيس التنفيذي المتميز لأدوات وتنظيم، يجعلانه قادراً على تخصيص وقت ثمين للعناية بالمنظمة. وقد يحتاج إلى معونة محترفة لتنفيذ ذلك. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الدور هو خارج نطاق فاعلية إدارة الموارد البشرية في المنظمة؛ فلم تنجح الصيغ التي أسند فيها هذا الدور لإدارة الموارد البشرية؛ إذ يذوب ويتشتت بفعل ضغوط التأثير والمصالح الفردية. هذا الدور هو من أدوار الرئيس التنفيذي التي لا يجوز فيها التفويض، ولكن على الرئيس التنفيذي أن يخصص مساعدين له أو مستشاراً متخصصاً، يساعده في التنظيم، ووضع الآليات، وجمع المعلومات فقط؛ إذ يجب أن يبقى هذا العمل في صلب مهامه اليومية.
أتمنى أن يكون كل رئيس تنفيذي على رأس أي شركة أو مؤسسة سعودية بالكفاءة التي تجعلنا نشيد بهم، ونذكر إنجازاتهم ونطريها؛ فذلك أمل نطمح له؛ فهو سبيل من سبل بناء الوطن وسعادة أهله.