غسان مصطفى الشامي ">
تُواجه أجهزة الأمن (الإسرائيلية) هذه الأيام فشلاً كبيراً في مواجهة انتفاضة القدس، التي تشهد تصاعداً في عمليات القنص وعمليات الطعن التي امتدت من مدن القدس إلى مدن الضفة المحتلة وأبرزها الخليل، التي شهدت الأسبوع الماضي تنفيذ عملية طعن نوعية أدت إلى مقتل ثلاثة من المستوطنين بالقرب من مستوطنة (عتنائيل) جنوب الخليل، فيما فشلت أجهزة الأمن (الإسرائيلية) في أعمال البحث عن منفذي العملية، فضلاً عن أن هذه العملية ليست الأولى خلال انتفاضة القدس فقد سبقها أكثر من 40 عملية طعن، كما تم تنفيذ عدة عمليات قنص نفذها بنجاح قناص الخليل.
ولقد اعترفت أجهزة الأمن الصهيونية بفشلها بمواجهة انتفاضة القدس، فقد كشفت المجلة العبرية العسكرية ( إسرائيل ديفينس) في تقرير إعلامي عن مفاجأة مفادها أن أجهزة الأمن (الإسرائيلية) تواجه ورطة كبيرة في التعامل مع الهجمات التي ينفذها الفلسطينيون، واعتبرت أنها تختلف كثيراً عن سابقاتها في السنوات الماضية، حيث تتميز بروح تضحية عالية غير مسبوقة.
كما بيّنت المجلة العبرية أن ما يُسمى بجهاز الأمن (الإسرائيلي) العام «الشاباك» أصدر تقريراً حول العمليات الفلسطينية الأخيرة تحدث عن أن منفذي هذه العمليات عبارة عن نوعية جديدة من الشباب الفلسطينيين غير المنتمين لحركات فلسطينية مسلحة، ويتمتعون بروح تضحية عالية.
وقد جعلت انتفاضة القدس الجيش الإسرائيلي يستخدم - بحسب التقارير الإعلامية - المزيد من وحدات المستعربين، وهم عبارة عن مجندين إسرائيليين يندسون بين الشباب خلال المواجهات من أجل اعتقال الفلسطينيين والتنكيل بهم، كما أصدرت قيادة الجيش الإسرائيلي تعليمات بضرورة عدم بقاء عناصرها مكشوفين أمام منفذي عمليات الدهس التي يقوم بها فلسطينيون في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.
الاعتراف (الإسرائيلي) بالفشل الكبير في مواجهة انتفاضة القدس، والتصريحات التي تصدر عن القادة الصهاينة تؤكد القلق الكبير لدى الحكومة الصهيونية جراء مواصلة الانتفاضة ومواصلة أعمال الطعن، والتي أدت إلى ازدياد الهجرة العكسية من الكيان الصهيوني، فقد نشرت القناة الإسرائيلية العاشرة تقريراً عن هجرة المستوطنين إلى كندا ودول أوروبا بسبب مواصلة الانتفاضة وعدم المقدرة على توفير الأمن داخل المدن الصهيونية.
وقد كشف تقرير القناة الصهيونية العاشرة وكالات السياحة والسفر في الكيان تتحدث عن ضغط كبير خلال الشهر الماضي في حجوزات السفر خارج إسرائيل من الشبان والعائلات الصهيونية، كما أجمعت العائلات التي تحدثت خلال التقرير على أن الوضع الأمني الحالي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إلى جانب الوضع الاقتصادي، والنظام البيروقراطي في دولة الكيان الصهيوني.
إن مواصلة انتفاضة القدس واشتدادها في مدن الضفة المحتلة، جعلت من الكيان الصهيوني يعمل على تجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط مطلع العام 2016م، وذلك لمواجهة الانتفاضة، وقد أشارت تقارير صهيونية إعلامية إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتفعيل نحو 70 كتيبة احتياط في العام 2016م في الضفة الغربية، في نشاط لم يخطط له مسبقاً.
رغم كافة المحاولات لإجهاض انتفاضة القدس والاتصالات والمبادرات الأمريكية، إلا أن شباب القدس يواصل ثورته، وشباب الضفة والخليل يواصلون المعركة بمداد الدم ويقدمون الغالي والنفيس لاستمرار لهيب هذه الانتفاضة، والتي حققت إنجازات أكثر مما حققه المفاوض الفلسطيني، أوقفت المخططات الصهيونية لتقسيم المسجد الأقصى، وأجبرت الآلاف من الصهاينة على التفكير في الرحيل على الكيان الصهيوني.
إن الفشل (الإسرائيلي) في مواجهة الانتفاضة جعل من رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو يتخذ العديد من الإجراءات والقرارات العنصرية تجاه هذه الانتفاضة، فقد أصدر نتنياهو تعليمات للمحاكم العسكرية الصهيونية بإنزال أقصى العقوبة على الأطفال الفلسطينيين الذين يقذفون جنود الاحتلال وسيارات المستوطنين بالحجارة، كما تشمل التعليمات التشديد في التعامل مع الأسرى ذوي الأطفال، وقد تصل إلى تهجيرهم وهدم منازلهم.
وفي إطار الحقد الصهيوني الدفين طالب أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي رئيس الحكومة بإقامة سجون خاصة لاعتقال أسر الشهداء منفذ عمليات الطعن ضد الصهيوني، كما شدد على ضرورة احتجاز كافة أفراد الأسرة صغاراً وكباراً دون محاكمة، لأن ذلك سيُشكّل رادعاً لدى الفلسطينيين ويمنعهم عن القيام بعمليات القتل والطعن ضد الجنود الصهاينة.
إن الفشل الصهيوني في مواجهة انتفاضة القدس وسط الأجواء العالمية المشحونة في عدة دول في العالم، يشعر قادة الاحتلال بحرج كبير أمام المجتمع الصهيوني الذي يعيش حالة من الإحباط واليأس والخوف من استمرار عمليات الطعن والقنص في المدن الصهيونية، كما أن قادة الكيان الصهيوني لا يملكون الإجابة عن الكثير من الأسئلة حول هذه الانتفاضة، وأهم هذه الأسئلة متى تنتهي الانتفاضة؟؟.
لقد أصبحت انتفاضة القدس تُشكّل خطراً كبيراً على الكيان الصهيوني، حيث ضربت هذه الانتفاضة نظرية الأمن لدى الصهاينة، بل وأثّرت على الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشكل كبير؛ لذا لا بد من توفير كافة وسائل الدعم والمساندة لاستمرار هذه الانتفاضة، ولا بد من الحفاظ على استمرار هذه الانتفاضة والوفاء لدماء الشهداء والوفاء للجرحى والأسرى.
إن وقف هذه الانتفاضة، يعني استباحة الدم الفلسطيني من قِبل الصهاينة، ومواصلة الجرائم الإسرائيلية في القدس ومدن الضفة، ومواصلة عمليات التهويد للمسجد الأقصى المبارك، لذلك لا بد أن تبقى جذوة الانتفاضة مشتعلة ولا بد من تشكيل قيادة ميدانية لها وتوحيد كافة الجهود الفلسطينية والعربية لمواصلة دعم هذه الانتفاضة.