عمر بن إبراهيم بن سليمان العُمري ">
لكل إنسان طموح حلم يعمل لتحقيقه وأمنيات يسعى لبلوغها فيعمل جاهدًا للحصول عليها والبعض منهم إذا أخفق في الوصول إليها يصيبه الإحباط وتنهار قواه ويحزن. ولكن البعض من الناس لديه آفاق كثيرة وفضاء أوسع من غيرهم؛ لأنهم يعلمون يقينًا أن في الحياة مجالات واسعة وخيارات غير محدودة. فعلى سبيل المثال من لم يفلح في طلب العلم قد يفلح بالتجارة، ومن لم يفلح بهما قد يفلح بوظيفة مرموقة يبلغ بها مراتبَ رفيعة ومناصب قيادية، ويكون له تأثير كبير في المجتمع وهكذا.
يعتقد البعض أن معيار النجاح هو ما يمتلكه الشخص من ثروة أو منصب، وهذا غير صحيح فقد يكون الإنسان ناجحًا في مجال اجتماعي أو تطوعي وقد يكون إنسانًا مؤثرًا يستفيد من خدماته الملايين من البشر.
من الجميل أن يركز الإنسان على هدف أو تخصص معين، ولكن في حالة الإخفاق يجب ألا يعتقد أنها نهاية المطاف، فمجالات الحياة الأخرى كلها بانتظاره، وفضل الله واسع. وقد يتسنى له الإبداع أكثر في مجال آخر.
وينطبق هذا على جميع المراحل العمرية، فالطالب الذي لا يستطيع الاستمرار في كلية الطب قد ينتظره مصير جميل ومستقبل أفضل في كلية الحاسب أو العلوم أو الهندسة. بل إن البعض يتسنَّى لهم تحقيق نجاحات كبيرة في سنٍّ متأخِّرة، كما حصل للكولونيل ساندرز مؤسِّس سلسلة مطاعم «كنتاكي» الذي بدأ مشروعه وهو في سن 65 عامًا.
قد تكون الأحداث المعيقة لتحقيق رغبة ما نعمة من الله أراد بها لنا خيرًا، فقد تكون امتحانًا لقوَّة صبر الإِنسان، أو نقطة تحوُّل قد تصرفه إلى مجال آخر قد يبدع فيه ويكون متميزًا أكثر من غيره، وكما قيل الخيرة فيما اختاره الله، يقول الشافعي:
إذا أصبحت عندي قوت يومي
فخلِّ الهمِّ عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غد ببالي
فإنَّ غدًا له رزق جديد
أسلم أن أراد الله أمرًا
فأترك ما أُريد لما يريد
الإخفاقات المتعدِّدة التي تحدث لنا ينتج عنها تجربة وخبرة، يمكننا استخدامها كسلاح نواجه به المجهول، ونتعلم منها الطرق الصحيحة لأداء المهمات على أكمل وجه.
محزن أن يحصر الإنسان حياته في مجال معين، فإذا نجح فرح وإذا أخفق حزن وانهار، وينسى أن الله الذي خلق هذا المجال خلق ملايين المجالات والفرص الأخرى المتعدِّدة التي تتلاءم مع قدراته.
العقل البشري يدرك أحيانًا وجود فرصة عظيمة، ولكنه في نفس الوقت لا يدرك أن الله سبحانه وتعالى أوجد الكثير من الفرص الأفضل منها، ففضل الله أوسع مما نعرف ونتخيل.
جميل أن يقاتل الإنسان من أجل تحقيق هدف معين، ولكن من المحزن أن يفني وقته وعمره في تحقيق شيء يستحيل أن يتحقَّق في ظلِّ وجود فرص أفضل في مجالات أخرى.
كما أنه على الإنسان أن يواكب تطوُّرات الحياة، وأنْ يتكيَّف مع المتغيِّرات ويهيئ نفسه وعمله في حال احتاج إلى التغيير.
شركة نوكيا الفنلندية الأصل أحد أشهر شركات الهاتف المحمول في العالم، كانت في بداياتها تعمل في مجال تصنيع المنتجات المطَّاطية والورق، ثم تطوَّرت بعد ذلك للصناعات الكهربائية، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم في عالم تقنية المعلومات والهواتف الذكية، ولم يستمروا في مجالهم الأساسي، ولم يستسلموا للمتغيِّرات الاقتصادية، بل طوَّروا أنفسهم وغيَّروا نشاطهم جذريًا.
أما شركة بولارويد الرائدة في مجال الكاميرات الفورية، التي تصوِّر وتطبع الصورة بشكل فوري، التي تمتلك براءة الاختراع لهذه التقنية ويصعب منافستها، وتعتبر من أكثر المنتجات تطورًا وإبداعًا في حينها، وبعد أن توصَّل المطوِّرون لاكتشاف الكاميرات الرقمية الجديدة، وأصبح العالم مليئًا بالمنتجات المنافسة لها لم يستسلموا، فقاموا بالتطوير وإعادة هيكلة منتجهم إلى منتجات أخرى مواكبة كالكاميرات الرقمية والأجهزة اللوحية والشاشات، وأبدعوا في هذا المجال، وزادت أرباحهم، إضافة إلى تصنيع أجهزة التصوير الطبي.
يجب ألا يُضيِّق الإنسان على نفسه في مجال واحد، فالفضاء واسع والخيارات مفتوحة. وهب الله الإنسان قدرات عالية ومواهب كثيرة يجب عليه أن يكتشفها ويعمل على تطويرها، ويستغلها أفضل استغلال كما ينبغي.
قد يبدع الشخص كطبيب أو مهندس أو عالم دين أو داعية أو إعلامي أو تاجر، فالمجال مفتوح للجميع، وليس هناك تخصُّص حكرٌ على أحد، وليس هناك تخصٌّص أنجح من غيره، فلكل مجال أهميته.
خاطرة:
إذا لم تستطع تحقيق حلمك في مجال معين فهناك مجالات كثيرة ومتنوعة بانتظارك، وبإمكانك الإبداع فيها أكثر وأكثر، وقد قال الشاعر:
إذا لم تستطعْ شيئًا فدعْه
وجاوزه إلى ما تستطيعُ
- بريدة