مساعد بن سعيد آل بخات ">
إنَّ قضية (الانضباط المدرسي) مهمة لأي مجتمع في العالم، لماذا؟
لأن الطبيعة الإنسانية لديها غرائز للخير وغرائز للشر، والإنسان بطبعه يحتاج إلى من يضبط سلوكه، سواء كان من خلال الضبط الداخلي عن طريق الدين والقيم والأخلاق والضمير، أو من خلال الضبط الخارجي الذي ينفذ عن طريق القانون والأنظمة واللوائح.
وتكمُن أهمية الانضباط المدرسي في أنه يساعد على تحقيق الأمن والاستقرار في المدرسة؛ ما يؤدي لاحقاً إلى انتقال هذا الأمن والاستقرار في المجتمع، ويساهم في حفظ حقوق الأفراد، ويُعد كطريقة وقائية من الوقوع في الانحراف والجريمة، وقد يُرسم من خلاله طريق ناجح لحفظ أمن هذا الوطن الغالي على أنفسنا.
والذي يساهم في تحقيق الانضباط المدرسي ليس المدرسة فحسب بل جميع مؤسسات المجتمع (كالأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام وغيرها).
فالأسرة هي الوعاء الأول في المجتمع الذي يحتضن الطفل؛ فتقوم بدور التنشئة الأسرية التي تُبنى على أساس غرس الدين والقيم والأخلاق في نفوس الأطفال، التي ستساعدهم مستقبلاً في أن تكون سلوكياتهم صحيحة ومتوافقة مع المعايير المتفق عليها من قِبَل المجتمع؛ وبالتالي تضمن الأسرة أن تكون تصرفات أبنائهم الطلاب وبناتهم الطالبات في المدرسة بما يتماشى مع الأنظمة واللوائح المعتمدة من وزارة التعليم.
فالعالِم «ناي» يرى في (نظرية الاحتواء) أن للأسرة دوراً كبيراً في تقليل حدة الجريمة من خلال التنشئة الاجتماعية لأطفالها، وباستخدام أسلوب الثواب والعقاب؛ فيتحقق لدى الأطفال ضبط داخلي وخارجي معاً.
كما أنَّه يتوجب على الأسرة أن تتابع سلوكيات أبنائهم الطلاب وبناتهم الطالبات في المدارس، فإن كانت إيجابية تعزز هذه السلوكيات، وإن كانت سلبية توجه وتعدل هذه السلوكيات.
وعندما تحرص الأسرة على أن يكون أبناؤهم الطلاب وبناتهم الطالبات متفوقين دراسياً فهذه الأسرة تساعد بشكلٍ كبير في تحقيق الانضباط المدرسي، كيف!؟
فقد أثبتت الدراسات أن الطلاب والطالبات المتفوقين دراسياً يكونون أكثر انضباطاً في المدرسة من غيرهم من الطلاب والطالبات الضعيفين دراسياً.
أيضاً أثبتت الدراسات أن غالبية من يدخل السجون هم من الأفراد الضعيفين دراسياً، أو من الذين انسحبوا من المدرسة (بالتسرب).
ولا يفوتنا أنْ نؤكد أنَّه بتواصل الأسرة مع المدرسة، إما من خلال الزيارات المتكررة أو في مجلس أولياء أمور الطلاب والطالبات، يجني الوطن ثمار تلك العلاقة الوطيدة من خلال إنتاج أجيال تنشأ على حب واحترام النظام داخل أسوار المدرسة وخارجها.
ولا ننسى أيضاً ما للأسرة من تأثير كبير على أبنائهم الطلاب وبناتهم الطالبات من حيث حثهم على الحضور للمدرسة، وعدم التأخر عن الحصص الدراسية.
إذاً..
فأساس الحث على الانضباط المدرسي يبدأ من الأسرة.
ويأتي دور المدرسة كإحدى مؤسسات المجتمع في تفعيل الانضباط المدرسي وإكمال ما تم بناؤه في الأسرة من خلال أمور عدة، منها:
أولاً: غرس فهم الدين الصحيح والقيم السامية والأخلاق الفاضلة في نفوس الطلاب والطالبات.
ثانياً: توعية وتثقيف الطلاب والطالبات بأهمية الانضباط المدرسي لجميع منسوبي المدرسة، وتبيين ما هي حقوقهم؟ وما هي واجباتهم؟
ثالثاً: تفعيل مجالس الآباء والأمهات لأكثر من مرة في الفصل الدراسي الواحد.
رابعاً: الحكم بمصداقية وتطبيق العدل عند تنفيذ الجزاءات والعقوبات على الطلاب والطالبات الخارجين عن حدود الأنظمة المدرسية.
خامساً: وجود المعلم والمعلمة (القدوة)، اللذين يحرصان على الإخلاص في عملهما كما أمرهما الله سبحانه وتعالى في قوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُه وَالْمُؤْمِنُونَ}.
سادساً: تفعيل المعلمين والمعلمات للإحالات للوكلاء والوكيلات والمرشدين الطلابيين والمرشدات الطلابيات عند وجود طلاب وطالبات قد يُخِلُّونَ بضبط الصف.
سابعاً: أن يطبق الوكلاء والوكيلات والمرشدون الطلابيون والمرشدات الطلابيات لائحة السلوك والمواظبة على الطلاب والطالبات بشكلٍ مستمر.
ثامناً: تفعيل دور العريف والعريفة وإعطاؤهما بعض الصلاحيات التي تعينهما على ضبط الصف في حال تأخر أي معلم ومعلمة عن الصف؛ ما يكسب العريف والعريفة الثقة بالنفس وتطبيق النظام، ويكسب الطلاب والطالبات الآخرين احترام النظام.
تاسعاً: تكريم الطلاب المنضبطين والطالبات المنضبطات في المدرسة؛ فالتكريم يحفز ويشجع على إيجاد بيئة مدرسية منضبطة وجاذبة.
عاشراً: الاستفادة من تجارب بعض المدارس الرائدة في ارتفاع نسبة الانضباط المدرسي لدى جميع منسوبيها.
ولا نغفل دور المسجد في توعية ونصح الشباب والفتيات بأهمية الحرص على طلب العلم والانضباط فيه، مع الاستشهاد ببعض قصص أعلام المسلمين كالقابسي والغزالي وابن خلدون وغيرهم ممن ارتحلوا في طلب العلم، وأكدوا أهمية الالتزام في التعلم.
ولوسائل الإعلام دور مهم من خلال نشر ثقافة الانضباط المدرسي بين أفراد المجتمع، سواء في الصحف الورقية والإلكترونية أو بنشر مقاطع فيديو في القنوات الفضائية الرائدة لمدارس متميزة في الانضباط المدرسي.