د. محمد بن فهد بن عبد العزيز الفريح ">
هم قوم أشرار, مجرمون فُجَّار, لا يفلحون أبداً، فأعمالهم خُبْثٌ, وأفعالهم شر, يفسدون العقيدة, ويسعون فساداً في الأرض، يعملون الكفر, ويرتكبون الحرام, ويغشون الآثام, هم مأوى للشياطين, وبيتٌ للمفسدين, ونُزلٌ للمجرمين, أهلُ كفرٍ وفجور, وغشٍ وكذب, شرورهم بادية, وضررهم ظاهر, وخبثهم لا يطهره إلا السيف.
حذرنا الله منهم، وأنذرنا رسولُه صلى الله عليه وسلم من الذهاب إليهم, من سألهم مصدقاً بقولهم كفر, ومن ذهب إليهم لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً.
إنهم السحرة عجل الله بهلاكهم, كم خدعوا من ضعيف, وكم استغلوا من امرأة, وكم أفسدوا في البلاد, وكم عاثوا في الأرض يؤذون العباد, شرهم مستطير, يتقربون إلى الشياطين بالكفر والفجور, كم دنسوا من مصحف تقرباً لأوليائهم من شياطين الجن, وكم ارتكبوا من الفحش في أقوالهم وأفعالهم ابتغاء الزلفى لدى أسيادهم المردة, فدعوهم من دون الله, وتقربوا إليهم بأنواع القرابين طلباً لتحقيق مرادهم.
لا خلاق لهم، سعيهم بوار، وجهدهم إلى خسار, لا يضرون أحداً إلا بإذن الله, لما اجتمع السحرةُ ليغلبوا في زعمهم رسولَ الله موسى عليه السلام قال لهم كما ذكره الله في كتابه: {مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.
أيها الكرام: إياكم والسحرةَ الفجرة لا يذهبْ منكم دينكم, واحذروا أن تفقدوا أعزَّ ما لديكم وهو توحيد الله بالاتصال بأولئك السحرة, لا تتواصلوا معهم بأي وسيلة لا باتصال ولا بمشاهدة ولا برسالة ولا بغيرها, حذروا أهليكم ومن تحت أيديكم, فهم قبل سلبهم للمال يسلبون التوحيد ويضعفونه.
ومن ذهب إليهم بقدمه أو تواصل معهم فقد أوبق نفسه في الإثم وارتكب كبيرة من كبائر الذنوب جاء في الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وذكر منها: السحر.
وأخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».
وأخرج الإمام أحمد في مسنده وصححه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء أن مما يدخل في السحر وإتيان السحرة ما يسمى بعروضِ القوى: كتكسيرِ الصخور على الصدور، والنومِ على المسامير الحادة، وثني الحديد بالعين وسحبِ السيارات بالشعر أو الأسنان، وأكلِ الأمواس والزجاج ونص الفتوى: (لا يجوز فعلُ هذه الأعمالِ ولا تعلُّمها ولا نشرها ولا التشجيعُ عليها والواجبُ محاربتهُا والتبليغُ عن فاعليتها ومعاقبتهم بما يردعهم ويكف شرهم عن الناس فألعابهم وأعمالهم تلك فيها من الدجل والشعوذةِ والتلاعبِ والاستخفافِ بعقولِ الناس وفسادِ العقيدة وأكلِ الأموال بالباطل ما لا يخفى).
لما كان الساحر من شر العباد أخبر الله عنه بقوله: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}, ولكبير ضرره, وشدةِ خطورته ذهب جماهير العلماء على أنه يقتل, وهي من مهام ولي الأمر, وقد ثبت هذا القول عن بعض الصحابة فقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتل كل ساحر رواه أبو داود بإسناد حسن, وذكر ابن القيم رحمه الله أن ذلك صح عن عمر وعن حفصة رضي الله عنهما, وقد نص كثير من العلماء أن الساحر لا يستتاب بل يقيم ولي أمر المسلمين عليه الحد؛ فالصحابة لم يستتبوا السحرة, وبذلك صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء وهو قول أبي حنيفة ومالك وهو المذهب عند الحنابلة؛ لأن بقاءه ضرر على المجتمع, والغالب عليه عدم الصدق في التوبة, نعوذ بالله من شر كل ذي شر.
قال الله سبحانه {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه, وأن يكفينا شر السحر والسحرة, وأن يمكِّن منهم بقوته, وأن يشفي المرضى.
- عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء