عامر بن فهد الصويغ ">
يقال أمن الرجل إذا انعدم خوفه وذهب عنه القلق واطمأن كما ذكر ابن منظور في لسان العرب، يعد الأمن بشكل عام والأمن الفكري بشكل خاص من مقومات نهضة الأمم وازدهار البلدان فلا يمكن أن نجد إبداعًا وتنمية مستدامة في غياب أمن فكري يدعمه استقرار نفسي مع وجود القدرة على قراءة الواقع بوضوح واستشراف المستقبل بنضج وتفاءل.
بحثت كثيرًا عن مفهوم الأمن الفكري ولم أجد أقرب وأصدق مما ذكره المغفور له بإذن الله سمو الأمير نايف بن عبد العزيز حين حدد إطار الأمن الفكري بقوله -رحمه الله- (إن الأمن الفكري جزء من منظومة الأمن العام في المجتمع بل هو ركيزة كل أمن وأساس لكل استقرار وإن مبعثه ومظهره التزام بالآداب والضوابط الشرعية والمرعية التي ينبغي أن يأخذ بها كل فرد في المجتمع)، فالأمن الفكري طائر لن يحلق ويبدأ بالارتفاع إلا بقوة جناحان أولهما التوجيه الفكري للشباب وإرشاد النشء وهذا ما تعمل عليه وزارة التعليم، والجناح الآخر يتمثل بتوعية المجتمع بشكل عام عن طريق المكاشفة والشفافية بوضع اليد على مكامن الخلل والبحث عن حلول وهذا من اختصاص وزارة الإعلام وفي الحقيقة كلنا مسؤولين عن ذلك بالنظر إلى حجم الدور التي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي.
ما نتوقعه من (فطن) وشتى المناشط المعنية بالأمن الفكري والارتقاء بالنشء، هو أن تبنى المنظومة الفكرية للأجيال المقبلة بأفق أوسع وباستقلالية فكرية وثقافية أكبر بوجود نهج معتدل واضح يرفض التبعية المطلقة، كما يعتمد على البحث عمّا يجهله فيلجأ إلى النقاش حول كل ما يؤرقه تحت الأضواء وأمام الملأ.
حينها سنحظى بجيل يتمتع بوعي وحصافة تمكنه من تمييز الغث من السمين والحق من الباطل بل أكثر من ذلك فيفرز السم عن العسل وإن خالطه وعكر صفاه، فينأى عن كل ما بشأنه التأثير سلبًا على حياة الفرد والمجتمع، متيقظًا لكل ما يحاك حوله من مكائد وما يشن ضده من حملات ليس لها غرض إلا تشويه الصورة وتعكير الصفو ولكن هيهات فستبقى هذه البلاد بإذن الله وبعد توفيقه سبحانه منارًا للعلم والأدب قلبًا للعالم الإسلامي وركنًا منيعًا ضد كل معتدٍ ظالم.
ما نتأمله ونطمح إليه هو أن يستوعب الأبناء أن المسؤولية مشتركة والهدف واحد فكلنا على ثغر كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم (كل منكم على ثغرة من ثغر الإسلام الله الله أن يؤتى الإسلام من قبله)، فبتوحد الصف واتحاد الكلمة يكون الفلاح في الدنيا والآخرة كما ورد في الحديث عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أراد بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، فإن الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَرْدِ، وَهُوَ مِنَ الاثنين أبعد».
ومن أبرز الأهداف التي ينبغي العمل على تحقيقها كذلك هو أن نخرج بجيل ينأى بنفسه عن التحزبات البغيضة والتصنيفات الاقصائية فيتجنب الوقوع في وحل الطائفية النتنة ويعرض عن العصبية السقيمة ومآلاتها، ولن يتم كل ذلك أن عن طريق تغذية روح المواطنة والاعتزاز بالهوية مع الإحاطة التامة بدور المملكة المحوري الهام حينها سيتم استيعاب الوضع وفهم المسألة فيسهل العمل وتكتمل الصورة.
أولى الأولويات قبل البدء بالنصح والإرشاد وكذلك التوجيه لا بد من التركيز على تعزيز الوازع الديني وبناء العقيدة الصافية التي تعتمدها وتحملها هذه البلاد المباركة منذ تأسيسها بحمد الله التي هي أساس الأمن والطمأنينة، في وسط تلاطمات الأمواج من حولنا فاقترن الأمن التام بالإيمان في قوله تعالى في سورة الأنعام قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُم بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُم مُّهْتَدُونَ) ومتى ما أمن المجتمع حسيًا وفكريًا حينها تتذلل الصعاب وتتحقق الطموحات.
- الخبر