د. زيد بن محمد الرماني ">
في عالمنا اليوم، لا تعتبر السمنة مجرد مشكلة صحية، بل أيضاً مشكلة اقتصادية، فعلى سبيل المثال، توجد بالولايات المتحدة الأمريكية أعلى معدلات البدانة بين البالغين في العالم، وتقدر التكلفة الاقتصادية المتنامية من هذه الظاهرة في سوق العمل المحلية بأكثر من 70 مليار دولار، بما في ذلك الغيابات عن العمل وفقدان الإنتاجية والنفقات الطبية الزائدة.
وكما انتشر وباء البدانة في الولايات المتحدة وصل إلى بلدان أخرى أيضاً.
ويمثل انتشار السمنة المتزايد أحد أكبر التحديات التي يواجهها قطاع الصحة العامة في الألفية الجديدة، ففي أوروبا، يراوح انتشار السمنة بين 10 و40 في المائة.
وقد حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية -مؤخراً- من أن السمنة في طريقها لتصبح المشكلة الصحية الأكثر شيوعاً في الدول الصناعية، ودعت الحكومات إلى إطلاق حملة شاملة لمعالجة المشكلة.
وقالت المنظمة إنه منذ ثمانينات القرن الماضي ارتفع عدد المصابين بالسمنة في الدول الأعضاء في المنظمة من عُشر السكان إلى ما يعادل الضعفين أو حتى ثلاثة أضعاف.
وأشارت إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات الراهنة، فإن المؤشرات تشير إلى أن أكثر من ثلثي الأشخاص سيعانون من زيادة الوزن أو سيصابون بالسمنة في عدد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على الأقل في غضون السنوات القليلة المقبلة.
وهو ما دفع جمعية القلب الأمريكية إلى التأكيد على أن السمنة يجب أن توضع في مرتبة التدخين والكوليسترول العالي، والضغط المرتفع، وأسلوب العيش قليل الحركة، كعوامل متفاوتة أساسية تؤدي إلى الإصابة بداء شرايين القلب التاجية.
لقد أدى تحسن ظروف المعيشة وتغيير عادات الاستهلاك الغذائي في العالم العربي، ومنطقة الخليج بشكل خاص، إلى ارتفاع معدل انتشار السمنة؛ إذ يراوح انتشار الوزن الزائد والسمنة في الشرق الأوسط ما بين 40 و70 في المائة في بعض المناطق.
وقد أشار الدكتور رأفت الدهشوري من المستشفى التخصصي بأبها بالمملكة العربية السعودية إلى تفاقم الخطر المحتمل للسمنة في السعودية بعد أن وصلت نسبة النساء اللاتي يعانين من زيادة الوزن إلى 66 في المائة والرجال إلى 50 في المائة.
ونبه دكتور الدهشوري إلى ارتفاع معدلات الوزن والسمنة بين جميع الفئات العمرية من الجنسين في المجتمع السعودي.
كما كشف رئيس الشؤون الأكاديمية بالحرس الوطني بالقطاع الشرقي الدكتور عبدالمحسن الذكري عن 20 ألف وفاة سنوياً بالمملكة، تحدث بسبب أمراض السمنة ومضاعفاتها، مثل السكتة القلبية والسكتة الدماغية وتصلب الشرايين والفشل الكلوي.
مبيناً دكتور الذكري أن تكلفة عمليات السمنة ومضاعفاتها بالمملكة تصل إلى 17 ملياراً سنوياً.
وقال رئيس قسم الجراحة بمستشفى الإمام عبدالرحمن آل فيصل الدكتور محمد خالد مرزا: إن تكلفة علاج السمنة تراوح ما بين 25 و45 ألف ريال للشخص الواحد، وأن مواعيد إجراء عمليات السمنة ما بين 6 أشهر وسنة.
مضيفاً دكتور مرزا أن الإحصاءات تؤكد أن نسبة السمنة في المملكة تصل من 20 إلى 30 في المائة، حيث تحتل المملكة المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد أمريكا والكويت، حيث بلغت نسبة النساء 60 في المائة، بينما الرجال 40 في المائة ونسبة الأطفال المصابين بالسمنة 20 في المائة.
ووصف الدكتور عائض القحطاني الأستاذ في كلية الطب بجامعة الملك سعود والمشرف على كرسي السمنة أن نسبة السمنة لدى الجيل الحديث مخيفة، مشيراً إلى عكوف القائمين على كرسي السمنة في جامعة الملك سعود على إعداد جيل من الباحثين والأطباء السعوديين على أعلى المستويات العالمية لمكافحة السمنة.
لافتاً دكتور القحطاني إلى أن معدل السمنة بين السعوديين يصل إلى أكثر من 70 في المائة.
وكشف الدكتور القحطاني عن أرقام جديدة حول مرض السمنة، وقال إنه من المتوقع وفاة نحو مليوني وفاة في العالم بسبب السمنة، بحلول عام 2015، في حين بيّن أن وفيات العام 2010 تجاوزت الـ500 ألف، مشيراً إلى أن تكلفة السمنة سنوياً تصل إلى 200 مليار دولار.
وأشار إلى أن نحو 47 مرضاً سببها الرئيس السمنة، وأن حجم الإنفاق على عمليات السمنة ومضاعفاتها في المملكة يصل سنوياً إلى 19 مليار ريال، ويموت سنوياً نحو 20 ألف مواطن.
وبيّن أن كرسي السمنة أعلن عن إطلاق حملة وطنية للتوعية بمخاطر السمنة تحت شعار «اخسر لتربح»؛ اخسر وزنك لتربح صحتك.
من جهته، أكد الدكتور هزاع الهزاع رئيس مختبر النشاط البدني في جامعة الملك سعود، أن نمط الحياة خلال الـ30 سنة الماضية تغير بشكل جذري، وارتفعت معدلات السمنة، وبلغت نسبة البدانة أربعة أضعاف.
وتؤكد بعض الإحصاءات أن النساء في منطقة الشرق الأوسط بكاملها وليس في السعودية فقط تفوقن على الرجال في معدلات السمنة، وهو أمر يربطه بعضهم بنقص الوعي، أو فقدان الإرادة. لكن ما أجمعت عليه دراسات كثيرة في هذا الجانب على مستوى العالم هو أن أمراض السمنة تقود إلى الوفاة عبر بوابة القلب والشرايين.
لذا، يشير الأطباء المختصون إلى أن السبب الرئيس لذلك التطور السريع والمفاجئ للحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات العربية، وهو التطور الذي لم يتزامن مع توعية صحية مناسبة بخصوص الغذاء المتوازن، قد أحدث طفرة في متوسطات الوزن في معظم البلاد العربية وبخاصة في السعودية، حيث يلاحظ أن شرائح اجتماعية كثيرة لا تمارس الرياضة وينصرف أفرادها إلى الخلود والراحة والدَّعة والاسترخاء والنوم بعد تناول الوجبات الدسمة مباشرة.
ختاماً أقول: لا نستطيع التراجع وتجاهل حقيقة أن زيادة الوزن والسمنة سببان لزيادة التكلفة والتأثيرات الاقتصادية الضارة.
لقد حان الوقت للخبراء، وأصحاب الأعمال، ومؤسسات المجتمع المدني للتحرك ومساعدة المستهلكين في اتخاذ خيارات ذكية وصحية.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية