د. زيد بن محمد البتال ">
تمهيد: عرف الواجب المنزلي بأنه عبارة عن مهام تعليمية يسندها المعلمون إلى التلاميذ ويكلفونهم بها، وتتم خارج وقت الدوام المدرسي. وعلى الرغم من أن تأدية الواجبات المنزلية يتطلب تفاعلًا معقدًا، وتأثيرًا متبادلاً بين عوامل مختلفة ومتعددة تفوق ما تنطوي عليه أي مهمة تعليمية أخرى؛ حيث تلعب الفروق الفردية بين التلاميذ دورًا رئيسًا في أداء الواجب المنزلي، إلا أنه جرت العادة في المدارس على تكليف جميع التلاميذ بأداء الواجبات المنزلية بغض النظر عما بينهم من فروق فردية، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من المشكلات التي يواجهها بعضهم، خاصة التلاميذ ذوي التحصيل الدراسي الضعيف أو التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في أداء واجباتهم المنزلية، في ظل الصعوبات التي يواجهها هؤلاء التلاميذ في المجالات الأكاديمية وغير الأكاديمية.
وتشير بعض الدراسات العلمية إلى أن الواجبات المنزلية تمثل إحدى المشكلات لدى التلاميذ، إذ إن أداءها يمثل عبئًا كبيرًا على هؤلاء التلاميذ وكذلك على أسرهم على حد سواء، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الاهتمام بمشكلات الواجبات المنزلية لدى تلاميذ التعليم العام بشكل عام، والتلاميذ ذوي التحصيل المتدني والتلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة على وجه الخصوص.
ويأتي هذا المقال كمحاولة لفهم طبيعة الواجبات المنزلية وأهدافها و فوائدها وكذلك التعرف على مشكلاتها التي يواجهها التلاميذ وتأثيراتها عليهم وعلى أسرهم معًا.
أهداف الواجبات المنزلية: تستخدم الواجبات المنزلية من قبل المعلمين في المقام الأول بهدف تمكين التلاميذ من الممارسة التطبيقية اللازمة لإتقان المهارات التي يتمتعون بها وسبق اكتسابها داخل الفصل الدراسي. وللواجبات المنزلية أغراض رئيسية ثلاثة قد تكون ملائمة لمعظم التلاميذ، هي:
1- الواجب المنزلي التطبيقي: Practice homework
وهو بغرض التطبيق والممارسة لما تم تدريسه، ويعد من أكثر أنواع الواجبات المنزلية شيوعاً واستخداماً من قبل المعلمين، فالمعلم قد يرغب من التلميذ في تطبيق وممارسة المهارة التي تم تدريسها في الفصل الدراسي، وبناء ثقة التلميذ بعد التأكد من قدرته على العمل بشكل مستقل.
2- الواجب المنزلي الإعدادي: Preparation homework
ويهدف إلى إعداد التلميذ وتهيئته لدرس أو دروس قادمة من خلال مراجعة التلميذ للمادة العلمية في المنزل قبل البدء في تدريسها، مع مساعدة من الوالدين أو أحد الأقارب، ويمكن أن يلعب هذا النوع من الواجبات المنزلية دورًا في زيادة فرص فهم وإدراك التلميذ للمادة العلمية عند شرحها في الفصل الدراسي، كما يحفز التلميذ على الإصغاء والانتباه.
3- الواجب المنزلي الإضافي: Extension homework
ويهدف المعلم في هذا النوع إلى جعل التلميذ يوظف المفاهيم والأفكار التي تم تعلمها في المدرسة في الحياة العامة خارج المدرسة،كجمع التلميذ لمعلومات من أفراد الأسرة، وهذا النوع بالإضافة إلى ربطه المنزل مع المدرسة، يقدم فرصة لمناقشة الاختلافات في بيئة التلميذ.
وبشكل عام يعد الواجب المنزلي أداة تعليمية متعددة الأغراض تتمثل في العناصر التالية:
الممارسة: لتحقيق مزيد من الإتقان والسرعة وصيانة المهارات والمحافظة عليها.
المشاركة: لزيادة مشاركة كل تلميذ في مهمة التعلم.
التطوير الشخصي: لغرس روح المسئولية والأمانة والمثابرة وإدارة الوقت والثقة بالنفس.
العلاقات بين الوالدين وأطفالهم: بغرض فتح التواصل بين الأب أو الأم وطفلهما/ أطفالهما حول أهمية التعلم.
الأنظمة واللوائح: الالتزام بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من إدارة المدرسة أو إدارة التعليم بالمنطقة.
العلاقات العامة: لإحاطة الوالدين علمًا بما يدور داخل غرفة الفصل الدراسي.
فوائدة الواجبات المنزلية: هناك آراء متباينة حول أهمية وفائدة الواجبات المنزلية، فالاتجاهات نحو الواجبات المنزلية لم تكن مستقرة، وتراوحت بين الارتفاع والانخفاض خلال العقود القليلة الماضية، ففي وقت كان ينظر إلى الواجبات المنزلية كوسيلة تعليمية ضرورية وذات قيمة في البيئة التعليمية، أصبحت في وقت آخر ترى بأنها عديمة الفائدة وأحيانًا ذات دور سلبي على الإنتاجية وينتج عنها إحباط للتلاميذ، وتقود إلى صراعات في المنزل والمدرسة على حد سواء.
وبصفة عامة تتأثر قيمة الواجبات المنزلية عندما تخرج إلى المنزل بمجموعة من العوامل فيما يتعلق بطريقة تأديتها وتنفيذها، مثل: خصائص التلميذ، والمستوى الصفي، وطبيعة الواجب المنزلي، والتزامات واهتمامات التلميذ الأخرى التي قد تشغل وقته. كما أن أسلوب المعلم وطريقته في التعامل مع الواجبات والمهام المدرسية عندما تعاد إليه قد تؤثر على جدوى الواجب المنزلي والفائدة المرجوة منه. ففي حين يكتفي بعض المعلمين بجمع الواجبات المنزلية، يعمد البعض الآخر من المعلمين إلى تقديم ملاحظات وتوجيهات مكتوبة أو منح درجات، بينما قد يسمح معلمون آخرون للتلاميذ بتصحيح الواجب المنزلي، وتصويب أخطائهم بأنفسهم.
وتعد قيمة وفائدة الواجب المنزلي في تحسين التحصيل الأكاديمي مرتفعة لتلاميذ المرحلة الثانوية ومتوسطة لتلاميذ المرحلة المتوسطة، ومحل تساؤل وشك بالنسبة لتلاميذ المرحلة الابتدائية. كما أن التلاميذ الذين يؤدون واجباتهم المدرسية يتفوقون بشكل عام على التلاميذ الذين لا يكملون واجباتهم. وعلى الرغم من التأثيرات الإيجابية للواجبات المنزلية على تحصيل التلميذ، إلا أن الواجبات المنزلية الكثيفة والزائدة على الحد أو غير المنجزة من قبل التلميذ تؤدي إلى خفض أثرها الإيجابي. وترتبط كمية الوقت المتوسطة التي يقضيها التلميذ في أداء واجبه مع درجات الاختبارات المرتفعة، وبشكل عام تشير أدبيات الواجبات المنزلية إلى وجود جوانب إيجابية، وأخرى سلبية كثيرة ومتعددة، وذلك على النحو التالي:
الجوانب الإيجابية: من أبرز الجوانب الإيجابية للواجب المنزلي التأثير المباشر على فهم التلاميذ واستيعابهم لمحتوى الواجب أو المادة العلمية التي يتضمنها، وعلى قدرة التلميذ في استرجاع وتذكر تلك المادة العلمية، مما ينعكس على ارتفاع درجاتهم في الاختبارات .كما قد يؤدي الواجب المنزلي -وبصورة غير مباشرة- إلى تطوير المهارات الدراسية لدى التلاميذ، وتحسين اتجاهاتهم نحو المدرسة، وإفهامهم أن التعلم يمكن أن يحدث في أي مكان، وليس في المدرسة فحسب، كذلك من الفوائد غير الأكاديمية للواجب المنزلي تعزيز الاستقلالية والانضباط الذاتي، والاعتماد على النفس، وتنمية الشعور بالمسؤولية لدى التلميذ. أيضًا يمكن أن تتيح الواجبات المنزلية الفرصة لأولياء الأمور في تعليم أبنائهم وتقديرهم لعمل المدرسة، ومشاركتهم المدارس في النهوض بأعبائها التربوية.كما أجريت بعض الدراسات حول فاعلية الواجبات المنزلية على التحصيل الأكاديمي لدى التلاميذ ذوي التحصيل الأكاديمي المنخفض، وقد كانت الإيجابية هي السمة العامة لهذه الأبحاث التي تناولت قياس أثر الواجبات المنزلية على اكتساب هؤلاء التلاميذ للمهارات الأساسية، والطلاقة في ممارسة تلك المهارات. وتحقق الواجبات المنزلية أقصى درجات الفاعلية وقوة التأثير لدى التلاميذ الذين لديهم مشكلات في التعلم عندما يكملون تأديتها بالقدر اللازم من الدقة والإتقان، مع إثبات اكتساب المادة الدراسية واستيعابها بتقدير متوسط على الأقل.
الجوانب السلبية: أما الجوانب السلبية للواجب المنزلي فهي متعددة، حيث يشير التربويون إلى أن النشاط -أي نشاط- يمكن أن يكون جذابًا لفترة زمنية محددة فقط، لذا فإن استغراق التلاميذ في المادة الدراسية وقتًا أطول مما ينبغي قد يجعل الملل يتسرب إلى نفوسهم، وسيشعرون بالضجر والرتابة لا محالة. أيضاً يساهم الواجب المنزلي في الحد من نشاطات التلميذ الترفيهية التي قد يكون لها دور في تنمية المهارات الحياتية، لذا يشير بعض الباحثين أن الوقت المستغرق في تنفيذ الواجب المنزلي ينبغي ألا يتجاوز 10 دقائق في اليوم الواحد للتلميذ في الصف الأول ابتدائي، يزداد بمعدل 10 دقائق كل سنة دراسية، بحيث يصبح حوالي الساعة في اليوم للتلميذ في الصف السادس الابتدائي.
ولأن مشاركة أولياء الأمور في واجبات أبنائهم المنزلية تأخذ أشكالاً متعددة، فقد يكون أثرها مختلفًا على تحصيل التلميذ، حيث يمكن أن يساهم الوالدان بطريقة مفيدة أو غير مفيدة. كما أن مشاركة الوالدين، مهما كانت محكمة التخطيط وذات أهداف محددة، قد تؤدي إلى التداخل مع عمل التلميذ. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب الأب أو الأم في التشويش على ذهن التلميذ ولاسيما إذا كانت أساليب التدريس المستخدمة من قبلهما مختلفة عن تلك التي يستخدمها المعلمون في المدرسة.
وقد يمارس الوالدان في بعض الأحيان ضغطًا على التلاميذ لإنهاء الواجبات المنزلية أو لتأديتها بشكل سريع أو بشكل غير واقعي لا يتناسب مع قدراتهم الفعلية.
أيضاً قد يتسبب أولياء الأمور في خلق وإحداث لبس وتشويش إذا كانوا غير ملمين بالمادة الدراسية. كذلك قد يكون الواجب المنزلي أداة للغش ومدعاة لممارسته، أما من خلال نسخه حرفيًا من زميل أو الاعتماد في تأديته على الغير بما يتجاوز نطاق التدريس.
الأسرة والواجبات المنزلية: كثيرا ما يشارك الوالدان أو الإخوة أو الأقارب في أداء الواجب المنزلي أحيانا كمتطوعين، وفي أحيان أخرى بطلب من التلميذ. وتؤثر البيئة المنزلية في عملية تأدية الواجب المنزلي تأثيرًا كبيرًا من خلال تهيئة الظروف المنزلية المشجعة والشاحذة لهمة التلميذ أو المحبطة نحو الدراسة والتعلم، كما يلعب المجتمع بنطاقه الواسع دورًا آخر من خلال توفيره أنشطة أوقات الفراغ، التي قد تأتي على حساب وقت التلميذ.
وتعد الواجبات المنزلية مصدر قلق ومثار اهتمام كبير بوصفها عنصرًا محوريًّا للتعاون بين المنزل والمدرسة، فقد أصبحت تأدية الواجبات المنزلية من قبل التلاميذ مصدر قلق بالغ لمواجهتهم مشكلات كبيرة في إكمال الواجبات المنزلية الموكلة إليهم، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في ارتفاع مستوى الضغوط النفسية وسط الأسرة، حيث لم تعد تقتصر مشكلات الواجبات المنزلية على المنزل و المدرسة، بل أصبحت تعرض في العيادات الطبية على أطباء الأطفال بصورة متزايدة بعد أن تكون المشكلات في أغلب الأحيان قد تعقدت واستفحلت جراء الشعور بالإحباط والانفعال، أو الغضب والمناكفة والتهديد بالعقاب، وقد يشعر أولياء الأمور بالإحباط أو الاستياء أو الانهزام أحيانا، بينما يشعر الطفل بعدم المبالاة أو قلة الاهتمام أو التجهم والارتباك أو الشعور بالذنب أو الحزن. وقد تكون هذه الصراعات الناتجة عن الواجبات المنزلية جزءًا من الأمراض الأسرية الخفية والحديثة.
وللحد من المشاعر السلبية المتزايدة والآراء غير الإيجابية لدى التلاميذ وأسرهم نحو الواجبات المنزلية، ينبغي على المعلمين أن ينظروا إلى الواجبات المنزلية كفرصة لتعزيز التعلم الفردي لدى التلميذ، وبناء على هذا ينبغي أن تكون احتياجات التلميذ التعليمية هي الأساس لما يكلف به من واجبات منزلية؛ لذا فإن معرفة المعلم «لماذا» يكلف التلميذ بالواجب المنزلي سيسمح له بتحديد طبيعة الواجب المنزلي وجعله فريدا، كما سيساعد في معرفة كيفية تعديل تلك الواجبات وتكييفها بالشكل الذي يخدم احتياجات أولئك التلاميذ، ويفي بها على النحو الأمثل. كذلك ينبغي التحقق من استفادة التلاميذ ذوي التحصيل المنخفض من الواجبات المنزلية، من خلال التغلب على مشكلات الاتصال التي يعاني منها المعلمون عند تكليفهم هؤلاء التلاميذ بتأدية الواجبات المنزلية، وطريقة توصيل المعلومات إليهم، حيث إن فهم التلاميذ للغرض من الواجبات المنزلية وطبيعة تلك الواجبات، والتغذية الراجعة المقدمة لهم من الأمور الهامة التي تتطلب انتباهًا خاصًا من قبل المعلم. وقد يكون تنفيذ الواجبات المنزلية بطريقة تعاونية، وتقديم برامج للدعم بعد الخروج من لمدرسة، وحث أولياء الأمور وتشجيعهم على الإسهام والمشاركة دورًا في تحقيق الأهداف المرجوة من الواجبات المنزلية.
ويمكن الخلوص إلى أن الواجبات المنزلية تعد مكوناً أساسياًَ في العملية التربوية، حيث يكثر حدوثها في العمل المدرسي كمصدر للخبرات التعليمية المتنوعة. لذا ينبغي للمدرسة الوعي بالمشكلات التي قد تحدثها الواجبات المنزلية على كل من التلميذ وأسرته، والعمل على الحد منها من خلال سن نظم ولوائح مدرسية تحدد التطبيقات والممارسات المتعلقة بالواجبات المنزلية، مثل: حجم هذه الواجبات وعدد مرات تكرارها، وأساليب التواصل لمناقشة الواجبات المنزلية مع أسر التلاميذ.
الهوامش:
Bryan, T., الجزيرة Burstein, C. (2014). Improving homework completion and academic performance: Lessons from special education. Theory into Practice,43(3), 213 - 219.
Cooper, H. M., الجزيرة Valentine, J. C. (2011).Using research to answer practical questions about homework. Educational Psychology, 36, 143 - 153.
Corno, L. (2000). Looking at homework differently. The Elementary School Journal, 100, 529 - 548.
Rogers, M. A., Wiener, J., Marton, I., الجزيرة Tannock, R. (2009). Parental involvement in children›s learning: Comparing parents of children›s with and without Attention- Deficit/Hyperactivity Disorder (ADHD). Journal of School Psychology,47, 167- 185.
Stewart, L. H., Roper, J. (2010). Homework: Is it worth the effect? Council for Exceptional Children (CEC), Teaching and Learning Center. Retrieved April 10, 2011 from the CEC web site.
Wagner, P., Schober, B., Spiel, C. (2008).Time students spend working at home for school. Learning and Instruction,18, 309 - 320.
كلية التربية - جامعة الملك سعود