يوسف بن عبدالله الدخيل ">
جهاز المرور أو الإدارة العامة للمرور في المملكة العربية السعودية كانت الحكومة توكل له مهام عدة، أبرزها استخراج رخص القيادة والسير، ورصد المخالفات المرورية، ومباشرة الحوادث المرورية.. كان هذا على مدى العقود الماضية. واليوم، ومع التحديثات الإدارية والمتغيرات التطويرية، انتهج جهاز المرور السعودي تجربة، تستحق أن تكون هي النموذج للأجهزة الحكومية السعودية كافة؛ إذ نجح المرور في التخلص من عدد من الأعباء التي كانت تثقل كاهله، وتصرفه عن التفرغ للمهام العليا له بوصفه جهازاً حكومياً، وأوكل عدداً من المهام إلى القطاع الخاص.
وكانت النتيجة كالآتي: المخالفات المرورية أو الجزء الأكبر منها لشبكة الرصد الآلي للمخالفات المعروفة اختصاراً باسم (ساهر)، ونقل الملكيات للمركبات ورخص القيادة والسير واستخراج لوحات المركبات تولى شؤونها نظام (أبشر)، وعبر عدد من معارض السيارات، ومباشرة غالبية الحوادث المرورية صارت من اختصاص شركة نجم.
والمحصلة النهائية أن رجل المرور وجهاز المرور صارا متفرغَيْن تماماً للإشراف والتخطيط والتطوير.. وهي المهام الحقيقية والجوهرية لأي جهاز حكومي في الوقت الحالي.
نسوق هنا تجربة جهاز المرور السعودي لننادي باستنساخها في الأجهزة الحكومية كافة.
هذه التجربة من فوائدها أيضاً خلق فرص عمل جديدة للسعوديين والسعوديات.. وتنشيط حركة تدوير رأس المال.. وإنشاء كيانات اقتصادية جديدة، تسهم في التنمية الوطنية.
العمل اليومي لأي قطاع حكومي لا أحد يختلف أنه يكلف القطاع الحكومي جهداً كبيراً، ومصاريف مالية مرتفعة، يمكن ترشيدها أو التخلص منها تدريجياً من خلال استنساخ تجربة المرور بإيكال هذه المهام تدريجياً إلى القطاع الخاص.
هيئة التطوير الإداري والمجلس الاقتصادي الأعلى ووريثهما الحالي مجلس التنمية الاقتصادية قد استعرضوا بالتأكيد التجارب الإدارية في عدد من الدول التي سبقتنا في الخصخصة والتنظيم الإداري.. ولا شك أن لدى المجلس دراسات عدة في هذا المجال، يجب أن تطلق مبادرة قوية وسريعة للشروع بها.. ولاسيما أن لدينا عدة تجارب سعودية ناجحة جداً في هذا المجال.. يأتي في طليعتها ما كانت تعرف باسم وزارة البرق والبريد والهاتف، التي خصخصت خدمتها ومنتجاتها بالكامل، وتحولت من جهاز يعتمد بشكل إداري ومالي كبير على الدولة إلى عدة أجهزة مربحة مالياً، ومنتجات ذات جودة عالية.
أسوق في هذا الصدد أيضاً تجربة هولندا التي ألغت مؤخراً وزارة الزراعة. والجميع يعلم أن الزراعة هي الدخل القومي الأكبر والأهم إلى هولندا.. بعد أن أطلقت الحكومة منذ سنوات عدة مبادرات مع القطاع الخاص، نُفذت بشكل تدريجي حتى اختفت وزارة الزراعة.. وتم إيكال المهام الإشرافية والسريعة المتعلقة بالزراعة إلى وزارة البيئة.
أيضاً، الوزارات في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر كلها - باستثناء الوزارات السياحية - وزارات صغيرة، موظفوها لا يتجاوزون الألف موظف، يتولون الرقابة والتشريع.. بينما القطاع الخاص يتولى الشؤون التنفيذية والأعمال والأعباء اليومية.
ولنا أن نتساءل: إلى متى والجهاز الحكومي السعودي مترهل وثقيل بالأعباء والمصاريف والتوظيف، وبطيء جداً في التنفيذ؟ أما آن الأوان لكي نستنسخ تجاربنا الناجحة في هذا المجال قبل تجارب الآخرين؛ وبالتالي نطلق المرحلة التطويرية الكبيرة التي ننشدها جميعاً لوطننا ولشعبنا؟