حاسن البنيان
جميل أن تنصب في هذا الزمن الصاخب والمضطرب خيمة لـ»الوفاء»، والأجمل من ذلك سعادة الإنسان بأن يسمع ويرى قبل «رحيله» من يقول له: «شكراً، وبيّض الله وجهك»..!!
ولأنه من المحزن أن يرحل إنسان عن «كرسي الوظيفة» فيُنسى من لحظتها، ويتناساه الناس، ويلتفت حول نفسه في المجالس والأسواق والشوارع فلا يجد نظرة احترام ولا يداً تمتد له، ليس لشيء إلا أنه - بكل بساطة - لا يستحق «الوفاء»..!!
كان من حسن حظي أن أشهد ليلة الأحد الماضي احتفالاً حميمياً لتكريم «الوفاء» من أهل «الوفاء»..!!
وقد تملكني شعور بالفرح والغبطة وأنا مُقبل على هذا الحفل، أشاهد «خيمة» نُصبت فوق تل مرتفع وسط مزرعة وارفة، تطل بكبرياء على المدينة القديمة للدرعية، مدينة التاريخ والعلم والحضارة والتراث الخالد.. أعرف أنني كنت مدعوًّا لحفل اجتماعي، لكنني عندما دلفت إلى داخل الخيمة أحسست أنني أحضر عرساً لـ»الوفاء»، ولم أفاجَأ وأنا أصافح عريس «الوفاء» معالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، وزير التعليم العالي السابق والسفير السعودي المعيَّن حالياً في العاصمة الفرنسية. أتذكر أنني عندما شددت على يده انطلقت مني حكمة تلقائية «مذكور بالخير يا دكتور». تبسم الرجل في تواضع الكبار مجيباً: «الحمد لله»!!
وقد أسعدني وأكرمني أخي المحترم الأستاذ عبدالله الناصر، المثقف والأديب والمسؤول وعضو مجلس الشورى، بدعوتي إلى مزرعته في الدرعية لحضور هذا الاحتفاء الذي شاركه فيه كل من الأستاذ حمد القاضي والدكتور إبراهيم التركي والدكتور معجب الزهراني والدكتور أحمد الغامدي وعلي اليامي.
كان حفلاً بهيجاً مبسطاً، كأني بالحضور الذين ضاقت بهم الخيمة يزفون د. العنقري في ليلة «الوفاء» له، التي كانت باردة نسبياً، إلا أنها اتسمت بدفء مشاعر وقلوب الأوفياء، وسعادتهم الغامرة برجل «الوفاء»، الذي كان يطرق رأسه في تواضع كلما سمع كلمة إطراء أو مديح أو ثناء أو إشادة بخصاله الحميدة، ومواقفه ومزاياه النبيلة، وتضحياته وإسهاماته الجريئة لخدمة عمله ومساعدة من لجأ إليه؛ ما جعل مساحات التقدير والثناء والتبجيل تغلب على الكلمات التي أُلقيت بالمناسبة..!!
ابتدأ الحفل الخطابي بعراب الدعوة الأستاذ عبدالله الناصر، الذي عمل في عهد د. العنقري ملحقاً ثقافياً في بريطانيا، كما عمل بعد عودته من لندن وانتهاء فترة عمله بالقرب منه في الرياض، فكشف للحضور العديد من المواقف المشرفة للمحتفَى به، ساعدت الملحقية في نجاح أدائها ودورها وتعاملها مع الطلبة والطالبات المبتعثين، مؤكداً أن الوزير العنقري كان يقف بصف أبنائه المبتعثين لمساعدتهم في دراستهم، ورفع المعاناة عنهم، وتحسين أحوالهم المادية والمعيشية والصحية، كما يعطي المراجعين له في الوزارة الوقت الكافي لاستقبالهم والاستماع لقضاياهم ومطالبهم، وإنجاز معاملاتهم. وأجمع المتحدثون: الأستاذ حمد القاضي، الدكتور إبراهيم التركي والدكتور عبدالله المعطاني على نبل تعامل د. العنقري، مشيدين بمواقفه المشرفة. وتناول القاضي علاقاته وتعامله معه أثناء رئاسته لـ(المجلة العربية)، ووجده داعماً ومساندا لتطوير المجلة، وكشف عن بعض المواقف الطريفة أثناء عمله في المجلة..!!
على أن اللافت أن المنظمين للحفل الخطابي حرصوا - فيما يبدو - على إبعاده عن الرتابة والملل؛ فطعّموه بفقرات مسلية ومفيدة من الطرفة والمعلومة والفكاهة والقصص التاريخية والتراثية، نالت الاستحسان والإعجاب من الحضور. وتولى تقديم هذه الفقرات كل من الروائي إبراهيم الغنام والمبدع محمد المطلق.
ولوحظ أن الحفل جرى بمباركة وحضور قضاة ومشايخ، كان من أبرزهم فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الشريف، والشيخ محمد العيسى وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، وبمشاركة من أعضاء في مجلس الشورى ونخبة من المفكرين والأدباء والأكاديميين والإعلاميين ورجال الأعمال.
وقدم المحتفون للمحتفى به في نهاية الحفل الخطابي درعاً تذكارياً، زُيِّن بنخلة باسقة، قد ترمز لعطاء وجهود د. العنقري المتواصلَيْن أثناء عمله وزيراً للتعليم العالي. كما أهداه الفنان التشكيلي المعروف ناصر الموسى لوحة فنية تراثية من أعماله.
بعدها اتجه المدعوون إلى خيمة مجاورة، تحولت إلى مائدة واسعة عامرة بأطايب الطعام، تناولوا فيها العشاء في أجواء حميمية أخوية، واصل فيها البعض الحوار والنقاش والأحاديث الودية.
ولاحظ الموجودون أن المحتفَى به د. خالد العنقري كان سعيداً للغاية، وشمل كل الحضور بابتساماته ونبله ودماثة أخلاقه، ولم يمانع في الاستجابة لرغبة البعض بأخذ صور تذكارية معه؛ ما زاد في الانطباع أن د. العنقري الذي يتوقع أن يباشر عمله الشهر المقبل في سفارة باريس ستنتقل معه كل خصاله الحميدة والنبيلة إلى عمله الدبلوماسي الجديد.. ووُدِّع من المنظمين والحضور في نهاية الاحتفال بمزيد من الحفاوة والتكريم.