من المحزن والمؤلم أن يتعرض أحد رموز الساحة الفكرية والثقافية والأدبية والإعلامية في بلادنا لأزمة صحية ومأزق إنساني ومادي ومعيشي في غربته ويبقى ثلاثة أسابيع دون أن تتحرك السفارة السعودية التي كانت على مقربة منه لمساعدته في وضعه الحرج، الذي يتطلب إدخاله المستشفى لإجراء عملية لتثبيت دعامات للقلب، حتى جاءه هاتف من الديوان الملكي السعودي في الرياض يخبره أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجه بتوفير العلاج له وتخييره بين أمريكا وألمانيا مكاناً للعلاج وهو الذي كان وقتها في الصين فاختار المانيا ، وجاء تحرك السفارة متأخراً بعد أن وصلت نجدة أبي متعب حفظه الله.
هذا ماحدث للشاعر والناقد والمثقف عبدالكريم بن حمد العودة (61 عاماً) الذي وصفه الزميل الإعلامي عبدالله بن عبدالرحمن الزيد بأنه إحدى (العبقريات) التي أنجبتها مدينة بريدة..!!
وللحق فلقد كان للمبادرة النبيلة لرجل الدولة والمثقف وعضو مجلس الشورى صديق الجميع الأستاذ عبدالله الناصر، في الكشف عن الوضع الإنساني والصحي والمعيشي لصديقه العودة في مقالته في الزميلة جريدة (الرياض) يوم الجمعة 11 إبريل 2014م على إثر رسالة تلقاها الناصر من الأخير ، ردود أفعال متعاطفة في الأوساط الثقافية والشعبية والرسمية .. !!
ويشهد الله أن أبا عبدالعزيز لم يهدأ له بال وكان طوال الفترة التي سبقت تدخل الملك في قلق متواصل، لمساعدة صديقه ورفيق مسيرته ، كما تحرك على أكثر من صعيد ، ووصلته الكثير من الاتصالات و المواقف المشجعة و الداعمة والمساندة ، في الوقت الذي حظيت فيه مقالته على أصداء واسعة بين قرائه و في الوسط الثقافي..!!
وأعترف أنني من الذين تألموا لما كتبه الأستاذ عبد الله الناصر عن الوضع المحزن للعودة ، الذي اعتزل منذ سنوات الأضواء واستطاب العزلة لظروف صحية ومعيشية ونفسية ، على أن الصديق د. إبراهيم التركي لايستبعد ـ في مقالة سابقة له ـ أن تكون الساحة الثقافية طاردة أو مملة لكثيرين « أيقنوا أن لا مكان لهم ، أو لا مكانة تليق بهم ، فهجروا أو هاجروا»..!!
وأنا أشاطره رؤيته، فالعودة من خلال وضعه وانكفائه على نفسه يمثل حال البعض من أدباء ومثقفي البلد الذين تلبسهم اليأس والإحباط وارتضوا الهجرة الطوعية لغياب الاهتمام والرعاية الرسمية والمجتمعية مادياً وصحياً ومعنوياً..!!
وأوافق أخي التركي مطالبته بجمع نتاج العودة وطباعته وعقد ندوات وأمسيات للحديث عن مسيرة إبداعاته وإنجازاته ، وهذه يمكن أن يتولاها النادي الأدبي في الرياض أو القصيم أو أحدهما..!!
فالمثقفون والأدباء والإعلاميون والفنانون لايتمتعون بمزايا مادية أو علاجية أو معيشية أو تأمينية ، كما هي حال اللاعبون المحظيون مثلاً بالرواتب المرتفعة والعلاج داخلياً وخارجياً على مستوى (V IB) لهذا نجد أن اللاعبين معنوياتهم النفسية مرتفعة مثل لياقتهم وفي الحالتين هما معدومتان عند بعض أمثال العودة..!!
ويعد عبدالكريم العودة من القامات الثقافية المبدعة ، فهو إلى جانب إسهاماته الشعرية، له باع مشهود في كتابة المقالة الأدبية والاجتماعية ، وسبق له العمل مشرفاً الأدبي على الملحق في (اليمامة) المجلة و(الرياض) الجريدة ، وكذلك العمل في مكتبة الملك فهد الوطنية و هو من أوائل خريجي قسم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قبل نحو 40 عاماً..!!
اسأل الله العلي القدير، الشفاء العاجل للأستاذ العودة ، وأن يعود لنا في أحسن حال ، ويستعيد عافيته و تآلقه ، إنه نعم المولى ونعم المجيب.