د. عبدالعزيز الجار الله
لا يتجه تفكيرنا العربي إذا جاء ذكر للغرب إلا إلى أوروبا الغربية، أو أذا قلنا الشرق الإسلامي لا يتجه إلا إلى إيران، وهذا إرث حضاري يعود للعالم والتاريخ القديم يوم لم تكن مواجهات العرب إلا مع إمبراطوريتين هما دولة بيزنطة في الغرب ودولة فارس في الشرق قبل أن يكسر المسلمون والعرب حاجز الدولتين وإلى الأبد إن شاء الله، فارس انهارت عاجلاً ودخلت في الدولة الإسلامية ولم يبق من التأثير السياسي والاستعماري الفارسي الإيراني سوى احتلال الجزر الإماراتية وإمارة الأحواز العربية على طول السواحل الشرقية من الخليج العربي، أما بيزنطة وريثة روما فاستمرت بالمناوشات حتى استقلت جميع الدول العربية تماماً من الهيمنة الاستعمارية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ولم يبق مستعمراً سوى فلسطين والتأثير السياسي الغربي الضاغط على بلاد العرب.
الملك سلمان - يحفظه الله- في دعوته لانعقاد القمة العربية اللاتينية الرابعة بالرياض وتركيزه على أجندة اللقاء الذي صدر في إعلان الرياض يوم الأربعاء الماضي تضمن: تحقيق السلام العادل لفلسطين، وحل الأزمتين السورية واليمنية ودعم الحوار الليبي، إدانة الإرهاب، رفض الانتشار النووي والتدخل في شؤون المنطقة العربية، تعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي مع اللاتين، إعادة هيكلة الديون السيادية. دعوة الملك سلمان للقمة العربية اللاتينية هي إعادة لقراءة جميع أطالس الحضارتين العربية واللاتينية من منظور سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي.
كانت أوروبا بثقلها السياسي وإرثها الاستعماري الطويل بالمنطقة ثم أمريكا في العقود الأخيرة فرضت هذا التعامل وبالتالي أغفلت دول غرب آسيا -العربية - والشمال الإفريقي العربي استثمار التعاون اللاتيني في اتحاد دول أمريكا الجنوبية التي شاركت بالقمة الرابعة: الأرجنتين، تشيلي، غويانا، سورينام، بوليفيا، كولومبيا، باراغواي، الأوروغواي، البرازيل، الإكوادور، بيرو، فنزويلا. وأصبح العرب داخل صندوق أوروبا الغربية وأمريكا والدولتين الضاغطتين إسرائيل وإيران، صندوق محكم عجز العرب الفكاك منه, رغم أن هناك قوى سياسية واقتصادية لم يتم استثمارهما وتحريكهما لخدمة قضايا العرب، الأولى دول اتحاد أمريكا الجنوبية، والثاني دول آسيا الوسطى: تركمنستان، أذربيجان، أوزبكستان، كازاخستان، كيرغيزستان، طاجكستان. إضافة إلى التحالفات القديمة: بنغلاديش, الهند، باكستان، أفغانستان.
تحريك الأطالس والخرائط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع دول الاتحاد اللاتيني وآسيا الوسطى سيحرّر العرب من الهيمنة الضاغطة التقليدية التي يحاول العرب الانفلات منها، فقد يكون للعرب - التعاون مع الاتحاد اللاتيني والآسيوي - هذا الربيع العربي الجديد بثوبه وأزاهيره ونباتاته المبشّرة لفك العزلة ودحر أطماع دول وأقاليم الجور.