أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تجربتنا مع مؤسسات التصنيف الائتماني، تُؤكد بأنها ليست موضع ثقة عالمية، ولعل الأزمة المالية عام 2008م كشفت بعض جوانب الخلل في تقاريرها وتصنيفاتها، وتبين لاحقاً بأنها ترفع وتخفض التصنيفات بناء على علاقات غير موضوعية، وقد حذرنا مراراً بضرورة عدم ربط اقتصادنا على هذه التقارير الكاذبة.
وكالات التصنيف للأسف، تستطيع أن تحدث أزمة عدم ثقة بالاقتصادات العالمية، وهناك عمليات ابتزاز تجري، عبر شركات، وأحياناً عبر دول وأفراد، ولهذا دعونا مراراً الاعتماد على تقارير داخلية حقيقية، لا على شركات ضالعة في الفساد، والعلاقات غير البريئة، ولهذا كنا نتطلع لأن تكون لدينا شركات تصنيف مستقلة، أو محلية قوية على أقل تقدير تعطي مؤشرات حقيقية عن اقتصاداتنا.
بيوت المال العالمية تبحث دائماً عن استثمارات محدودة المخاطر، لكنها مع التصنيفات غير المنطقية، وغير المبررة تصبح أكثر خشية، وهي بيوت مالية لها دور مؤثر في الاقتصاد العالمي ومجرد خوفها يحرم الدول من الاستثمارات، وربما أن هناك جهة ما تدفع باتجاه هروب الأموال من أي دولة عبر هذه التقارير، ومن الضروري معرفة هذه الجهات، ومتابعتها، والوقوف على مختلف معطياتها.
هل هذه الجهة تدفع مقابل أن تتأثر الدول المرتبطة بالدولار بهذا الحراك الناجم عن هذه المخاوف التي تبثها هذه الوكالات، إضافة إلى أن هناك دراسات تشير إلى وجود حراك اقتصادي خفي سيؤدي بالمحصلة إلى إعادة بناء النظام السياسي الدولي، وصعود قوى اقتصادية عالمية جديدة، وعليه يجب أن نكون أكثر قدرة على استشفاف هذه التحولات العالمية، وأن نتصرف بحكمة وإستراتيجية.
ستاندرد آند بورز خفضت تصنيف المملكة الائتماني إلى A+، لعام 2016، وهذا التصنيف يُعتبر غير مقبول، حيث اعتمد على بيانات غير دقيقة وغير صادقة، لأن وكالة التصنيف لم تحصل على المعلومات من المصادر المعنية، فهي وكالات تحاول ابتزاز الدول، أو السعي إلى إعادة وضعها من خلال هذه التقارير، لأنه ربما تم إلغاء التعاقد معها، وفقدت جزءاً من مصدر دخلها، فلماذا لا تصدر الجهات المالية المسؤولة عن اقتصادنا تفسيراً لهذا السلوك؟
ما قامت به ستاندرد آند بورز، على خفض التصنيف الائتماني للمملكة يدعونا لطرح العديد من الأسئلة.. هل هذه المؤسسات أدوات سياسية، ويمكن استخدامها لتحقيق أغراض سياسية؟.. ومن أين اتخذت سلطتها ومكانتها تلك؟.. ولماذا لا تتم تعرية مؤسسات التصنيف العالمية، وبيان ارتباطاتها؟.. ولماذا تتهاوى عليها مؤسساتنا المالية للحصول على تصنيفاتها، في الوقت الذي تساهم تصنيفاتها في عدم استقرار الاقتصاد العالمي؟
خفض تصنيف المملكة يُعتبر ابتزازاً سياسياً واقتصادياً ضمن حملة الابتزاز الغربية ضد السعودية، فشركات التصنيف ليست مراكز بحثية غير ربحية كي تبادر بإجراء دراسات مالية لتحديد تصنيف دولة ما، بل هي شركات تعمل وفق عقود مالية تمثّل تكلفة دراساتها، فمن دفع لها مقابل تصنيفها للمملكة؟.. ففي هذه الحالة يفترض أن تكون الجهات المالية المسؤولة عن اقتصادنا هي من تُدافع عن استقرار المملكة الاقتصادي، ولكن هذا لم يحدث؟!
النفط سلعة تهبط وترتفع حسب الطلب، ونسبة العجز المتوقعة لميزانية المملكة هو 16%، وربما يستمر العجز للأعوام الخمسة القادمة، حيث إن أساسيات الاقتصاد السعودي لم تتغير بشكل كبير، خصوصاً في ظل مستوى معتدل من النمو الاقتصادي، وإمكانية ارتفاع أسعار النفط، ووجود احتياطي أجنبي كبير يفوق إجمالي الناتج المحلي يساعد المملكة على تغطية عجز الميزانيات للأعوام القادمة.
الملاحظ أن المملكة تتعرّض لهجمة إعلامية تحاول إظهار بلادنا بوضع غير مستقر مالياً لصالح بعض الجهات الإقليمية والدولية، لأن الأمن المالي والاقتصادي عنصر هام للحفاظ على الاستقرار الوطني، فالوضع الاقتصادي للمملكة متين ومستقر من واقع الجهود العظيمة التي يبذلها المسؤولون، والمستقبل يُبشر حاضره بالأفضل لاقتصادنا في ظل الجهود التي يبذلها مجلس الاقتصاد والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -.