فيصل خالد الخديدي
النظر بإيجابية وتفاؤل لجميع الشؤون الحياتية والثقافية مطلبٌ، وأمرٌ يدعو للنمو والتطور، متى ما كان مقترناً بواقعية الطرح ومنهجية العمل. فالنظر للجزء المليء من الكوب خيرٌ من الصياح على الجزء الفارغ منه. ولعل النقد الواعي والحيادي والشفاف هو من يوقد شمعة، ويضيء الطريق حتى لمن اعتادوا على لعن الظلام. ومثلما تكون إيجابية النقد في إبراز منجزات الساحة والتجارب الجادة والحقيقية، وإن كانت من المهمشين والمغيبين إعلامياً, فمن الإيجابية أيضاً التصدي للسلبيات بمختلف مستوياتها، وللزيف والخداع بالساحة التشكيلية، ومحاصرته، وكشف خوائه وهلاميته. ويبقى مستوى تقبل الساحة التشكيلية لجرعات النقد المرتفعة هو خير شاهد على نضج الساحة ومن فيها. فمقال مطول، نقله بانطباعه الصديق محمد باخشوين، كتبته الدكتورة هبة الهواري قبل سنوات عن الساحة التشكيلية المصرية، وتعرضت فيه للأسماء الصريحة لعدد من الفنانين الذين تقبلوا صدق المقال وعباراته ومستوى النقد المرتفع فيه، ولم يكن ليمر هذا المقال دون تأثير إيجابي وردود فعل، استقبلت بعقلانية حتى من المعنيين به، ونظروا له أنه نوع من المكاشفة للسلبيات، ويهدف للتطوير، وهو ما يعطي انطباعاً بمستوى نضج الساحة التشكيلية هناك. بينما ثلاثة أسطر تكتب عن معرض أو سلوك بتلميحة دون أسماء صريحة كفيلة بأن تُنصب مراسم البكاء والعويل وحفلة الشتائم والشخصنة لمن كتب ولمن انتقد. وليس ذلك لشيء إلا لما اعتادته الساحة المحلية من هشاشة الطرح، وكثرة التلميع، وغياب ثقافة النقد الواعي المتجرد من الشخصنة والمصالح؛ ما أنتج فنانين أشبه بظاهرة صوتية بمنجز رخو، وصوت إعلامي مرتفع، فاختلطت الأوراق بين سفير للفن وسفيه، وأصبحت المعارض التشكيلية أشبه بالمعارض المدرسية، وبتغطيات إعلامية ضخمة، بل إن كثيراً من الأعمال التي لا تتجاوز مستوى مدرسياً أصبحت تُصدر، وتشارك باسم الوطن، وتتصدر المعارض الخارجية المدفوعة الثمن على أنها تمثل مستوى الفن المحلي.
ليس عيباً أن يبحث الفنان عن الانتشار، وأن يقدم رسالته من خلال أي وسائط متاحة، وفي أي معرض ومناسبة داخلياً وخارجياً، ولكن العيب في أن تقدم المشاركات الشخصية للمبتدئين والجهود الذاتية على أنها ثقافة البلد، ومشاركة رسمية تمثل مستوى التشكيل المحلي. كما أن المبالغة والبهرجة الإعلامية التي تسيء لثقافة البلد، وإن قدمت منهم بحسن نية، لا تعفيهم من المسؤولية والحذر من أن يقعوا فريسة سهلة لنقاد الشنطة وتجار الفن وسماسرة المعارض.
يتحمل النقد والكتابات التشكيلية في الساحة التشكيلية المحلية دوراً كبيراً في تصحيح المسار، وتسليط الضوء على الإيجابيات ودعمها، والبحث عنها حتى من الهامش، والتصدي للسلبيات والسوء حتى لو كانت متصدرة في الإعلام وبصوت مرتفع. ولن يتحقق ذلك إلا إذا قدم النقد بحيادية، والكتابات بإنصاف وواقعية، وارتفع مستوى تقبُّلها من الفنانين، وكانت الساحة أكثر متانة وصلابة ووعياً.
ترنيمة أخيرة:
علي ناجع.. أحمد حسين.. نموذجان حقيقيان لروعة الفنان وثقته بما يقدم، وشجاعة تقبُّل النقد الصريح والضمني برقي وشموخ.