عبد الاله بن سعود السعدون
جاءت نتائج الانتخابات المعادة في تركيا مفاجئة للكثيرين الذين استبعدوا حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية، وبالتالي تشكيل الحكومة الجديدة، أما الذين يعرفون الشعب التركي جيداً والتفافه حول دولته ونصرة الوطن في الظروف غير العادية المماثلة للتي تعيشها حالياً داخلياً وإقليمياً قد توقعوا مناصرة الأمة والوطن بمنح الأغلبية المحدودة لحزب العدالة والتنمية لدرء خطر الإرهاب الذي يهدد أمنها الداخلي وجوارها الإقليمي المضطرب، والذي تحول لساحة من تصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وخشية من تعريض الأمن القومي للمنطقة بأسره للخطر.
وخرج الناخبون للتصويت للوطن والدولة متناسين الأحزاب العشرين المتنافسة لنيل صوته ووضع رأيه الانتخابي في الصندوق لصالح الأمن والاستقرار الاقتصادي للدولة ومحاربة الانفصال الإرهابي.
وشهد التاريخ السياسي التركي الحديث حالةً مشابهة لنتائج الانتخابات المبكرة هذه، ففي عام 1960م تعرضت العملية السياسية والديمقراطية التركية للانقلاب العسكري الأول بقيادة الجنرال جمال كورسيل، وحل الحزب الحاكم (الحزب الديمقراطي) وحوكم صورياً زعيمه عدنان مندريس وأعدم بقرار سياسي جائر.
وكان رد الشعب التركي الاحتجاجي والغاضب لإعدام الانقلابيين لرمزه الوطني مندريس ظلماً ودون محاكمة عادلة بتصويته لقائمة حزب العدالة، والذي تأسس عام 1962م من قواعد ومؤيدي الحزب الديمقراطي المنحل في أول انتخابات برلمانية بعد الانقلاب ومنحه الأغلبية المطلقة وظهور نجم سليمان ديميريل في سماء الحياة السياسية التركية وتشكيله لحكومته الأولى من حزب العدالة منفرداً.
ومنيت المعارضة والتي كانت مؤيدة للانقلابيين بهزيمة ساحقة، وعلى أثرها استقال عصمت أينونو زعيم حزب الشعب الجمهوري وانسحب من الحياة السياسية، والتي مارسها لأكثر من ثلاثين عاماً رئيساً للجمهورية وزعيماً لحزب الشعب الجمهوري، والذي أسسه مع مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك عام 1924م.
صوت ما يقارب نصف الناخبين بنسبة تسعة وأربعين فاصل تسعة بالعشرة لصالح حزب العدالة والتنمية لاستمرار الاستقرار والرفاه الاقتصادي والديمقراطية، ولسان حالهم من أجل الوطن صوتنا لبرنامج حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد تفهمه لرسالة الإنذار التي وجهها الشعب له من خلال نتائج الانتخابات الماضية، والتي جرت في السابع من يونيو الماضي والتي لم يفز بها أي حزب بالأغلبية البرلمانية، والتي أعيدت الأحد الماضي الأول من نوفمبر الحالي وجاءت نتائجها تصالحية مع الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) ومنحه الثقة عن طريق نتائج الانتخابات المبكرة وحصوله على 317 مقعداً برلمانياً بأغلبية مريحة لتشكيل الحكومة القادمة من داخل حزب العدالة والتنمية، وتلقت أحزاب المعارضة الخذلان وتراجع نتائجها عن الانتخابات السابقة، وبالذات حزب الحركة القومية والذي يرفع شعار تركيا للأتراك، فقد خسر نصف مقاعده بحصوله على 41 مقعداً من أصل 80 مقعداً كان قد حصل عليها في الانتخابات السابقة، وتراجع للمرتبة الرابعة بعد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والذي تخطى جسر 10% من أصوات الناخبين وأعطى تخطيه هذا إعلاناً صريحاً على صدق وشفافية هذه الانتخابات، والتي جاءت بميزة ديمقراطية جديدة بمشاركة أكثر من 85% من الناخبين في عملية التصويت، وهذه أعلى نسبة انتخابية في التاريخ الديمقراطي التركي.
تلقى حزب العدالة والتنمية رسالة من الشعب التركي الذي منحه الثقة ودعوة جادة لقادته وحكومته الجديدة بالإيفاء بعهودها التي حملها برنامجهم الانتخابي، والذي وعد ذوي الدخل المحدود والشباب بتوفير الفرص الوظيفية والدخل الكافي لهم ودعوة المؤسسات الاقتصادية لفتح أبوابها للشباب، وتعهد الحكومة بضمان تمويل مرتب لمدة عام لكل شاب يتم تعيينه فيها، وتقديم القروض المالية وبدون فائدة لتشجيعهم على ممارسة الأعمال الحرة وتقليص نسبة البطالة في البلاد.
إن فوز حزب العدالة والتنمية تأكيد لبصمة الرمز الوطني الرئيس رجب طيب أردوغان على قرار الناخب التركي، وتثبيت للقيادة الجديدة المتمثلة بشخصية الدكتور أحمد داوود أوغلو زعيماً لحزب العدالة والتنمية.
الإرادة الوطنية للشعب التركي ترجمت هذا الفوز الساحق للحزب الحاكم ذي الاتجاه الإسلامي الوسطي المعتدل ونبذ ومحاربة الإرهاب والتطرف ودعوة صادقة للسلام والاستقرار لتركيا والمنطقة بأسرها.