د.عبد الرحمن الحبيب
في خضم تلاطم الأحداث العاصفة في سوريا التي يبدو أنها بلغت ذروتها وبدأت في العد التنازلي، ولا سيما بعد دخول كافة الأطراف المعنية في حوار أكثر جدية قد يثمر حلاً واقعياً للأزمة، ثمة ملف لم يُطرح، عنوان غلافه: فاروق الشرع.
أسئلة كثيرة طرحها الإعلام سابقاً بلا نتيجة حتى نُسِي الموضوع من ندرة الإجابة عنها.. أين فاروق الشرع؟ هل هو مسجون أم طليق، مُجبر أم حرّ، عُزِل أم اعتزل، موالٍ للنظام أم معارض، داخل أم خارج سوريا؟
هنا محاولة للإجابة عبر تتبع زمني حسب المصادر التي تحمل مصداقية مقبولة بعد فرزها وفقاً لمنهجية سياق الأحداث.
في ظل صمت مطبق من النظام السوري وندرة ما يصدر من القنوات المقربة له، فإنَّ تواتر الأخبار الأكثر ترجيحاً هو أن فاروق الشرع (76 سنة) يعيش في فيلا سرية بريف دمشق تحت الإقامة الجبرية. متى بدأت هذه الإقامة؟ يبدو أنها صدرت بعد تحسس النظام السوري من مواقف الشرع الافتراضية أو الواقعية. فقد ظهر منذ البداية أنه المسؤول السوري الوحيد الذي أعلن اختلافه عن مقاربة بشار الأسد للأزمة، إِذْ دعا لإنهائها عبر تسوية سياسية وليست عسكرية. كانت بعض أصوات المعارضة السورية طالبت بدور للشرع في المفاوضات أو أن يكون رئيساً للمرحلة الانتقالية كما طرحها وزير الخارجية التركي حينئذ.
مزيد من شك النظام في ولاء الشرع ظهر بعد زيارته الخاطفة للسعودية للتعزية في وفاة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز في نهاية أكتوبر عام 2011، حيث نقل للأسد اقتراحاً سعودياً بتسوية سياسية للأزمة السورية عندما كانت سلمية في أشهرها الأولى من الثورة. تضمن الاقتراح استضافة الرياض حواراً بين النظام السوري ومعارضيه، إذا قرر الأسد التنحي عن السلطة.. (صحيفة السياسة الكويتية).
منذ ذلك الحين، اختفى الشرع عن الأضواء، ولم يظهر على الملأ إلا في جنازة مسؤولين قتلوا في تفجير مبنى الأمن القومي السوري يوليو 2012. بعدها بأسابيع أعلن المتحدث باسم الجيش السوري الحر لؤي المقداد انشقاق الشرع. لكن في نفس اليوم صدر بيان عن مكتب الشرع يقول انه «لم يفكر في أي لحظة بترك الوطن إلى أي جهة كانت». نتيجة هذا الإحراج في المصداقية، صدر بيان للجيش السوري الحر يقول «بناء على توارد معلومات حول انشقاق نائب الرئيس السوري فاروق وتوجهه إلى الأردن، أن العملية ربما باءت بالفشل». وفي بيان آخر ذكر «أننا لا نؤكد ولا ننفي.. انشقاق الشرع».
بعد شهر، ظهر الشرع على الملأ مترجلًا من سيارته لمقابلة رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني بروجوردي، وفقاً لوكالة «الأسوشيد برس»، التي حضر مراسلها لرؤية الشرع، وذكر أنه بدا متجهماً، وتجنب الصحافيين الذين يغطون المقابلة، ولم يدل بتصريحات. لكن في نهاية تلك السنة، صرح الشرع عبر مقابلة مع صحيفة الأخبار اللبنانية أن كلا من نظام الأسد أو معارضيه غير قادرين على حسم الأمور عسكرياً، ولا بد من العمل على بقاء سوريا كدولة وليس لصالح بقاء فرد أو جماعة.. مؤكداً: «توفير الأمن للمواطنين واجب على الدولة، لكنه يختلف عن انتهاج الحل الأمني للأزمة ولا يجوز الخلط بين الأمرين».
مثل هذا التصريح لن يرضي النظام السوري، فعاد غياب الشرع مرة أخرى وامتد طويلاً حتى شمل سنة 2013 كلها؛ ولم يظهر اسمه في تلك السنة إلا في حضرة الغياب، حين تم تكريس إقصائه عن المشهد السياسي باستبعاده من القيادة القُطرية لحزب البعث في يوليو 2013 حسبما تواتر من مصادر مختلفة.
وفي فبراير 2014 كشف لصحيفة السياسة الكويتية باسل محمد (قيادي في التحالف السياسي الذي يرأس الحكومة العراقية) أن الشرع ممنوع من مغادرة سوريا، وأن عناصر من الحرس الثوري الإيراني تتولى حراسته بدلاً من الحراسة السورية خشية أن تتواطأ لتهريبه للخارج ، موضحاً أن النظام الإيراني يعارض أي دور للشرع، لأنه يعتبره قريباً من دول مجلس التعاون الخليجي، وتربطه صلات قوية بالسعودية. بعدها بشهر أكد مسؤول سوري سابق لصحيفة مقربة من النظام السوري «رأي اليوم» أن الشرع يعيش حياة هادئة في شقته المتواضعة في أطراف دمشق.
في يونيه 2014 قال المبعوث الدولي السابق إلى سورية الأخضر الإبراهيمي إنه حاول مراراً الاجتماع بالشرع لكن محاولته اصطدمت بالموقف الرسمي المعارض. لإخراج الشرع نهائياً من المشهد السياسي، قام النظام السوري بتعيين نجاح العطار، (20 يوليو 2014)، نائبة للرئيس بديلة عن الشرع الذي كان نائباً للرئيس منذ 2005. وبعدها بأيَّام أغلقت السلطات السورية مكتب الشرع في دمشق، وأعادت كافة العاملين لديه إلى وزارة الخارجية وفقاً لتصريحات رئيس الرابطة السورية لحقوق الإِنسان عبد الكريم ريحاوي.
صار الشرع خارج الساحة السياسية تماماً، لكنه دخل إليها من باب الفن الأدبي في مارس 2015، بنشره كتاباً روائياً بعنوان «الرواية المفقودة» تمثل سيرة ذاتية لتجاربه السياسية. هذه الرواية لا تتطرق للأحداث الحالية إلا أنها صادمة من ناحية التوقيت، فضلاً عن أن النقاد تفاجؤوا بمهارتها الفنية في الكتابة.. بالمناسبة، يحمل الشرع شهادة في الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق. الأهم أنها وضعت حداً للإشاعات التي تحدثت عن انشقاقه عن النظام أو هروبه من سوريا.
في يوليه الفائت ظهرت أخبار غير مؤكدة عن محاولة لتصفية الشرع، وقيل انه تعرض للاعتداء من قبل رجال النظام في مقر إقامته الجبرية، وذلك بعد ساعات من الإعلان عن وفاة مساعده محمد ناصيف (موقع إيلاف). وبعدها بشهر أي قبيل التدخل الروسي العسكري في سوريا قيل ان روسيا تتجه لطرح اسم فاروق الشرع بديلاً عن الرئيس السوري، وفق مصدر في الائتلاف المعارض.
الآن لا نجد ذكراً لفاروق الشرع، فهل نجح النظام السوري في تغييبه بهدوء أم أنه يضعه كورقة احتياطية أخيرة في المفاوضات لإنقاذه؟ أم أن أحد أطراف المفاوضات الجارية في فيينا سيعيد طرحه؟ اختلفنا أو اتفقنا مع فاروق الشرع فهو رجل محنك وذو خبرة ثرية في إدارة الأزمات يمكن الاستفادة منه كجزء مهم في حل الأزمة التي تعصف بسوريا.. فهل يفتح المفاوضون هذا الملف؟