د. عبدالرحمن الشلاش
هل الطريق إلى الجنة يمر عبر لبس الأحزمة الناسفة وتفجير المساجد وقتل الأرواح البريئة وإراقة الدماء؟ هل الطريق إلى الجنة لابد أن يمر بكل تلك المحطات الدموية المفزعة وترك الجثث والأشلاء مبعثرة في تلك البقاع الطاهرة؟ هل أدركت جماعات الإرهاب أخيراً أن المساجد هي مواقع الاستشهاد، وإن أي طالب لنعيم الجنة عليه فقط أن يلبس حزاماً ناسفاً ويتجه لأقرب مسجد آمن، ليفجر نفسه بمن فيه من الأبرياء الراكعين الساجدين؟
تعلمنا في المدارس ومن المشايخ المعتدلين أن طريق الجنة يمر عبر المساجد ولكن ليس بالقتل والتفجير وإنما بالصلاة والعبادة والتقرب إلى الله، وأن الطريق إلى الجنة لا يمكن أن يكون بقتل النفس التي حرم الله فالإسلام دين السلام ودين المحبة، فأي ثقافة تشرّبها أولئك الشباب المغرر بهم ومن باعوا أنفسهم للشياطين ليفجروا أنفسهم في مساجد الإحساء والقطيف والدمام وعسير وأخيراً في نجران، وفي نجران كان الناس آمنين في صلاة المغرب يتجهون إلى ربهم، ليباغتهم من باع نفسه على الشيطان ليفجر نفسه في صورة بشعة ليخلف شهيدين وعشرات الجرحى.
هل أصبحت مفاتيح الجنة في أيدي قادة الإرهاب ليسلموها لمن يشاءون؟ وإذا كانوا يكذبون على الناس لتحقيق أهدافهم الدنيئة وتوجهاتهم الضالة، فأي عقول تصدقهم وتسلم بما يقولون وكأنه وحي منزل من السماء ؟ وإذا كانت الجنة الغالية والهدف النهائي لأي إنسان على وجه الأرض لا يمكن بلوغها إلاّ بتفجير النفس لقتل البشر، فلماذا لا يقوم بهذا الدور قادة التنظيم الخائب، أم أنهم يؤثرون على أنفسهم ؟ ! الثابت أنهم يضحكون على هؤلاء المساكين ويستغلون حماستهم واندفاعهم وجهلهم وظروفهم كي يصلوا من خلالهم لما يريدون.
يذكر أحد الشباب من الذين خرجوا طلباً للجهاد كما يعتقدون وما يحرضون عليه، ثم أنقذه الله وهرب، أنه عندما وصل وانضم للتنظيم الإرهابي، جاء إليه بعد أيام قليلة أحد القادة، وقدم له حزاماً ناسفاً وقال له لقد اختارك الله للشهادة فتوكل على ربك ونفذ هذه العملية , ولأنّ لدى الشاب بقية من عقل كاد أن يذهب سأل الرجل كم المدة التي قضيتها أنت هنا فقال ثلاث سنوات، فقال له الشاب كيف يكون هذا؟ أنت لك ثلاث سنوات ولم يختارك الله وأنا لي ثلاثة أيام ويختارني الله أي كرامة هذه قالها بلغة ساخرة.
هذا شاب اكتشف الحقيقة المرة مبكراً وقبل أن يذهب مع الهالكين فماذا عن عشرات الشباب الذين يبيعون عقولهم للمجرمين والسفاحين اعتقاداً منهم أنهم في الطريق الصحيح، لأنّ لا أحد من المشايخ تطوع ليبين لهم الطريق الصحيح, وأن طريق الإنسان إلى جنة ربه يمر عبر طاعته وعبادته والدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة, والتعايش مع المجتمعات الإنسانية المسالمة بأخلاق الإسلام .
الجنة ونعيمها كانت الورقة التي ما فتئت تلوح بها بعض الجماعات في كل الديانات، فحركة الإصلاح الديني في أوربا والتي قادها مارتن لوثر كان من دوافعها محاربة فساد الكنيسة الكاثوليكية، ومنها منح صكوك الغفران. وفي الحرب الحالية في اليمن عثر جنودنا على مفاتيح الجنة في أيدي القتلى الحوثيين، ونفس التوجه تسير عليه داعش بمنح المفجرين صكوك دخول الجنة!
طريق الجنة واضح ولكن قادة الفكر الضال حولوه ليمر عبر تنفيذ أجنداتهم الخائبة فهل من معتبر؟