أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تابعنا باهتمام مجموعة المواد التي تعتزم وزارة العمل تطبيقها لخدمة سوق العمل السعودي والتي تناولت سعودة بعض الوظائف، وحصرها على السعوديين، والاهتمام بالتدريب، والتأهيل ولازلت أؤكد على أن القوانين مهما كانت مغلظة، فهي لا تحقق الهدف أو الإستراتيجية، لأن الأصل في العملية هي تمكين المواطن السعودي، وجعله قادراً على الانخراط الحقيقي في سوق العمل.
إن حصر بعض الوظائف على السعوديين يجب ألا يكون هو الهدف، لأن الهدف هو الإعداد وهذا الإعداد يحتاج إلى إستراتيجية وطنية شاملة، ليست وزارة العمل إلا واحداً من أقسامها الرئيسة، وعلينا أن نعيد النظر بمخرجات التعليم، وثقافة العيب، وأن نعزز ثقافة الادخار والاستثمار، والعمل الخاص، وفي غالبية الدول التي تضع ضمن رؤيتها الإستراتيجية حماية المواطن، فإنها أيضاً تدعم التنافسية بين الأفراد.
وعلى وزارة العمل فرض ثقافة الإنتاجية بديلا عن الثقافة الاستهلاكية التي نعيشها، ولهذا فإني أعتقد بأن على معالي وزير العمل أن يدرك أيضاً من واقع عمله ومسؤوليته أهمية الدور الكبير الذي تقوم به الجامعات، ومؤسسات المجتمع الأهلي، فليس المطلوب تأمين وظائف بقدر ما هو مطلوب خلق استثمارات جديدة تحرك المجتمع، وتحدث تحول اجتماعي اقتصادي في بلد ولله الحمد ينعم ببيئة إيجابية للاستثمار.
مهمة وزارة العمل هي إحقاق الحقوق وتسهيل الإجراءات، وإتمام العمليات الرقابية، وتقليص حجم البيروقراطية، ومتابعة مكاتب العمل، والمساهمة في إصدار تقرير ربع سنوي حول اتجاهات الاستثمار في سوق العمل السعودي، توضح فيه الجوانب الاستثمارية المتوقعة وحجم سوق العمل في هذه القطاعات، والمؤشرات المستقبلية التي يمكن أن تكون أداة وطريق للاستثمار في هذه القطاعات، وهذا يتم بالتعاون مع وزارات ومؤسسات أخرى معنية.
ويجب أن تكون القوانين والإجراءات ضمن رؤية تنموية إستراتيجية، وأن تكون لدى الوزارة خطط لتعميم مراكز التدريب المهني، وأقدم لمعالي وزير العمل تجربتين مهمتين، الأولى التجربة الألمانية في التدريب المهني، حيث تم تطبيقها في الأردن، وأيضاً التجربة الماليزية في التأهيل والتدريب، وعليه فإن وجود مركز شامل ومتخصص للتدريب المهني في كل منطقة من مناطق المملكة للذكور والإثاث، أعتقد بأنها خطوة أولى لتكريس العمل الإنتاجي الصناعي، فالدول الصناعية نشأت وتطورت في إحياء الحرف والمهنيين في بلدانها.
إن وزارة العمل والتي تشهد خطوات ملموسة باتجاه التطوير، فأنها مدعوة أيضاً للانفتاح على الآخر، وعلى الإعلام الثقافي، والجامعي ومؤسسات المجتمع المدني، والاستثمارات والمشروعات الصغيرة، والمتوسطة والعملاقة لتكريس سلوكية مجتمعية تؤمن بالعمل والإنتاج بدلاً من الاعتماد على الغير والاستهلاك.
إن هذا الانفتاح يجب أن يكون منظماً وضمن رؤية شاملة ومتكاملة، تشمل الإجراءات والقوانين والأنظمة لبيئة سوق العمل، والتخطيط الاستثماري والتنموي والاقتصادي، والتغيير الاجتماعي والثقافي، ودور المعاهد والكليات التقنية والمهنية، والجامعات العلمية بحيث تكون في خدمة المجتمع المحلي والمدني، وكذلك دور المؤسسات الإعلامية المرئية والمقروءة كنتيجة لهذا الحراك.
فمهمة وزارة العمل ليست سهلة في بلد كبير وآمن، واقتصاد ضخم ومشروعات عملاقة، وعدد عمالة أجنبية غير عادي، لذا يجب الوصول إلى مرحلة المستويات العالية ذات الجودة والنوعية الجيدة من حيث استقدام العمالة الخارجية، والتي تكون لغاية دعم الإنتاج، والتطور الاقتصادي والتنمية المستدامة، وأيضاً تعزيز ثقافة العمل المهني لدى المواطن السعودي للإحلال محل الأجنبي، والتي نلمسها اليوم بشكل واضح.
لذا يجب الاستعداد لوضع الحلول، واستغلال الطاقات المتاحة بشكل أفضل، والسعي إلى مساندة هيئة توليد الوظائف، والتي أنشئت بقرار ملكي كريم من أجل دعم ومساندة توظيف المواطن السعودي، ومنحه الفرصة في الوظائف المحلية، والنظر إلى أن السعودة قضية وطنية يجب المساهمة فيها بكل الطاقات، لأن سوق العمل السعودي واعدة جداً لكل مواطن سعودي إذا ما أدركنا بأن العمل والإنجاز، والإنتاج هو الطريق الأول لنجاح المواطن، ودعم الاقتصاد الوطني.