د. خيرية السقاف
استدعى من دخيلتي وزير التعليم وهو ينبه بقوة جميع الجامعات بسرعة حل مشكلات طلابها، ويحذر من إجراء عقوبته إن لم يتسارع مسؤولوها بالتنفيذ..
رغبة في توجيه مماثل لكل أسرة في مجتمعنا تتسارع لاستقدام من يخدمها...!
فرب الأسرة، حين يدخل الدار ويجدها رأسًا على عقب، من الفوضى وعدم الدقة في النظام والنظافة، يأمر برفع ما على الأرض ووضعه فوق الطاولة، وتعليق الرداء المنزوع في خزنة الملابس، وإعادة الحذاء المستغنى عنه لموضعه من الرف، وترتيب طاولة السفرة بإعادة الصحون، والملاعق، والكؤوس، وحاويات المناديل، وآنيات العصير لموضعها المخصص في الحجرة، والمطبخ، والثلاجة، وغسل المتبقي المتراكم من الآنيات المستخدمة في الطبخ، والطعام قبل غسلها، أو كنس البيت، وكي الملابس..
لأن البيوت في مجتمعنا كثيرة، كبيرة، مكتظة بكل صغيرة وكبيرة نافعة، وغير نافعة!!
على أن كل هذه أعمال لا تتطلب الفكر، وجهده، .. بل مهارة الحركة، وسرعة الأداء، وحسًا عامرًا بالرغبة في الهناءة، والنظافة، والترتيب، والهدوء..!
ولأن أفراد الأسر تعودوا على الاتكال والبيوت كبيرة تتسع، والأثاث متراكم ينمو، والسوق يغري، والكف مبسوطة تنفق، والنفس طماعة، والنظام يتيح، فلتنفتح الأسر على طلبات الاستقدام،
فامرأة واحدة لا تقوى على القيام بخدمة كل هذا الكيان المثقل بما فيه من أثاث، وكماليات ومتطلبات، وحجرات، وردهات، ناهيك عن بشر لهم ما لهم من استخدام، واستهلاك، واحتياج، وما عنهم من طلبات، ورغبات واختلاف حاجات، والأفراد في الأسر لم يتعودوا التعاون فلا تزال النظرة للرجل فيها أنه «المخدوم، المحشوم»
لذا فالملجأ الاستقدام..!!
لكن الاستقدام يعني السماح بدخول عناصر خارجية من بشر يأتون من بيئات مختلفة، وبمكونات تختلف في كل شيء النفسية، والخلقية، والعقدية، والصحية، والعقلية، وجميع الخبرات بجانبيها الإيجابي، والسالب..!
لكن لا حيلة فالاستقدام ضرورة!!
وتتطعم الأسرة بما تتلقى، وتندمج مع من ليس تدري، فالقادم مجهول والحظ محك، ..!
تكبر الأسرة، وقد اختلط بصغارها، وامتزج بكيانها ما استجد كالأنفاس التي تتداخل في جو مكان تحيطه النوافذ والجدران، وكما اللقمة التي تُزدرد للجوف وتمتزج..!
ولو أن البيوت تبنى على سعة محددة، كل ما فيها يغطي الحاجة ولا يزيد، وفيها تكون همة أفرادها للتعاون، وللخدمة الذاتية، ويكون المحرك لها الرغبة في تنظيم الوقت، وترتيب الاحتياجات، والأوليات، وتراعى جميع جوانب الحياة الأسرية من قبل كل فرد فيها، لما احتاج الكل لمن يخدمه، ولا لمن يثقل على وتيرة الحياة داخل الأسرة، وخارجها في الشارع، وفي المصحات، بل في الأجهزة النظامية، بل لما كان هناك العدد الكبير من الهاربات للعمل في سوق تجارة العاملات الهاربات، والمتخلفات عن الحج والعمرة، اللاتي ترتفع أجورهن لأضعاف ما تقره عقود الاستقدام النظامية..! بل لما حدث ما يحدث من حالات الجريمة، والتضحية بالأطفال، وقيام المنازعات بين بلادنا والدول التي نستقدم منها، بل لما وفدت إلينا العديد من الأمراض، ..
والأكثر من هذا لما خرج من أموالنا هذه القوائم فاحشة الارتفاع، ولرددناها خضراء مثمرة في بيوتنا ذاتها.
كلنا يسافر، ويختلط بمن يسافر إليهم يجد من العامل في مطعم، إلى الأستاذ في الجامعة، إلى الطبيب، والباحث، والمسؤول الغني منهم والفقير، رجلاً وامرأة يقفون على طاولة طعامهم بعدونها سريعة مقننة، يغسلون آنياتهم، وما يلبسون، ينظفون بيوتهم، وزراعة مبهجة جوار أبوابهم، أو داخل بيوتهم، متعتهم في العمل مستديمة، وإحساسهم بالحياة مردود عليهم راحة واطمئنانًا..!
بما في ذلك صحتهم الجسدية في أوجها مهما تقدموا في العمر، ذلك لأنهم يتحركون، يصنعون لأنفسهم معامل حياة تكرر فيهم الإحساس بالحياة، فهم أناس غير اتكاليين، يخدمون ذواتهم، ويستطمعون لقمتهم، ويمتعون بعيشهم..
لا أدري لماذا لا تكون محاكاتنا لهم في هذا الجانب كما هو اللهاث الحميم لمحاكاتهم في أي أمر آخر..؟!!
فإن عمل الآن أحد على التخلص من الخدم في بيته، وغلب على أمره لعله يتنازع مع أفراد الأسرة، ثم يتصارخ، ثم يكلَّ، ثم يهرب إما بالنوم، أو بالخروج عن البيت، أو لأي بدائل أخرى تنزعه من الفوضى.. لأنه لن تجدي معه إعادة لصياغة أسلوب الحياة إلا بعزم وهمة وعقوبة ذات.
ولعل وزير التعليم لا يضطر لإجراء أية عقوبات في الجامعات إن لم تستجب لحل مشكلات طلابها الأكاديمية والإنسانية..!
لا أدري لماذا استلهمت هذا الخيط بين البيوت والجامعات.؟!!