د. خيرية السقاف
إنسان الوقت الحاضر مغلوب لا غالب، حيث هو «حقل» تجارب للباحثين..
فالشاي الأخضر، الكوب الذي ينعشه، وينصح به لتخفيف الوزن، والقضاء على السموم، والتمتع بصحة خالية من الدهون، والرواسب، فجأة يصبح مضراً بالصحة، ويؤثر في الأجهزة المحورية القلب والكبد..، ويطلب إليه الامتناع عنه بعد أن تعوّد عليه، كذلك قهوته التي يصبح على أبخرتها، ويستلهم أفكاره ونشاط يومه بدفئها ولذة طعمها.. يأتي من يخبره بفائدتها لقلبه، ثم بمضرتها له..!
ثم تتوالى التناقضات فالخل الأسود يعقم، ويساعد على التخلص من الدهون، ويحقق التوازن بين الوجبات بتخليصها من الزوائد غير المجدية ..، فجأة يصبح حارقاً لأنزيمات الكبد، مسرِّعاً في نشوء القُرح في الأجهزة الدقيقة كالمعدة، والإثنى عشر، وهكذا بعض الفواكه، واللحوم، والبيض، والبقول، .. وبقية فصائل الأغذية، ومحتوياتها تارة تفيد، وتارة تمرض، وقد تميت..!
بما في ذلك الأسماك، وأنواع اللحوم.. إضافة إلى الزيوت، والمياه المعبأة، .. والألبان، والعصائر، والأطعمة الجاهزة، ومغلّفاتها، ومكوّنات حفظها، وألوانها.
ولا يقف الأمر عند المأكل، والمشرب في حياة الإنسان، بل لحقت بها الأجهزة، والمقاعد والشاشات، ومكيفات الهواء، والأدوية، وخامات الملابس والأثاث،...!!
ما يفيد اليوم، وتعلن عنه وسائل التواصل، وإعلانات الصحف، والدعايات، والمنشورات، ويوصي به الطبيب، والصيدلي، والبائع، والمستهلك، والباحث، والخبير، ينقضونه في الغد..
أذكر أنّ إحدى أعضاء هيئة التدريس ذات محاضرة قالت لطالباتها إنهن شبيهات بفئران التجارب، وقصدت بذلك ما يتلقينه من المعارف الخاطئة، والمعلومات غير الموثقة، والخبرات غير ذات النتائج النافعة، والقابلة للتغيير، فغضبن منها، وشكينها، فعُقدت لها لجنة تحقيق، نصرت الطالبات في قرارها، لأنّ منطق أعضائها كان يقول إنهن بشر، لهن عقول تدرك، ونفوس تشعر، وحس يأبى التشبُّه بالحيوان، فما بال بالفأر أرذله ؟!..
مع أنّ الفأر هو الذي يشبه الإنسان في تفاعله مع تجارب المختبرات، وهو الذي يضحي من أجل الإنسان بنفسه ومن ثم يقدم بكل أريحية نتائج التجارب فيه على أطباق من الإيثار للإنسان..!
والزمن في مروره على كرِّه، وفرِّه يثبت هذه النتيجة، التي تقول إنّ الإنسان المعاصر هو وعاء تجارب على كل الأوجه فيما يصنع، وينتج، ويستهلك،..
لذا فإنّ الأولى به في ضوء هذا، أن يصم أذنيه، ويجافي عينيه، ويغلق فكره عما يُقال عنه اليوم مفيداً، وفي الغد يكتشف أنه مضر على مستوى معطيات غذائه، ودوائه، وتجميله، ومشربه، وأثاثه، وملبسه، ومسكنه، وأجهزة خدماته....!!، وامتداداً لما يصب في سمعه، ويبث لفكره، ويتمثل بين عينيه..!!
فالعمر أمانة من مُنح الروح في جسده، وبثت فيها الحياة، من يعلم أنّ الحياة طريق قصير،...
فليتمتع بما يتخير،..
وليقتصد فيما يستهلك مأكلاً، ومشرباً، وملبساً، واستخداماً..
وليُكيف حياته بما يرضي أدنى رغباته، ويحقق أوسط احتياجاته، لتخلُ أوقاته من قلق تتبع ما يقره له اليوم باحث، وينقضه له غداً آخر.!!