د. عبدالرحمن محمد السلطان
تعاني الجامعات السعودية من شح شديد في أعضاء هيئة التدريس وهي المشكلة التي زادت حدتها خلال السنوات الأخيرة في ظل النمو الكبير جدا في التعليم الجامعي في المملكة. وأمام هذا الشح تضطر الجامعات أحيانا إلى التعاقد مع غير سعوديين من خريجي جامعات عربية بمستوى غير جيد.
في ظل هذا الواقع من غير المعقول أن تفرط الجامعات بكفاءاتها من السعوديين لمجرد أنهم بلغوا الستين من أعمارهم، فالدولة ربما أنفقت عشرات المليارات في تعليمهم في جامعات دول متقدمة ومستوى تأهيلهم أعلى بكثير جدا من مستوى تأهيل من تضطر الجامعات الآن للتعاقد معهم لتغطية الشح الذي تعانيه في هيئاتها التدريسية. ولعل من نافلة القول أن نذكر أن عمر ستين سنة هجرية ليس كبيراً لعضو هيئة تدريس في جامعة، وكل من درس في جامعة غربية يعرف أن جزءاً كبيراً من أعضاء هيئة التدريس في أعرق الجامعات أعمارهم تزيد عن الستين بل حتى منهم من تجاوز الثمانين. فطالما أن عضو هيئة التدريس قادر على العطاء العلمي والتدريسي فسيكون من غير المعقول مطلقا التفريط به ووقف الاستفادة منه لا لشيء إلا لكونه بلغ الستين من عمره، والتي هي في الواقع منقبة لا مثلبة، حيث يكون في هذا العمر قد بلغ قمة مكانته العلمية وخبرته التدريسية.
وقد يقول قائل إن الجامعات تتيح فرصة التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس السعوديين بعد تقاعدهم، وهذا صحيح، إلا أن عملية التعاقد ليست على الإطلاق جزءا من استراتيجية جامعية تستهدف المحافظة على كفاءاتها وعدم التفريط بها، ولا تحفظ عملية التعاقد بأسلوبها الحالي الاحترام والتقدير لعضو هيئة التدريس ومكانته العلمية. فبدلاً من أن تكون الجامعة هي المبادرة بالعرض على عضو هيئة التدريس المتقاعد ليتعاقد مع الجامعة، وتكون القاعدة هي استمرار عضو هيئة التدريس في الجامعة بعد بلوغه السن النظامي للتقاعد طالما أن لديه الرغبة والقدرة على ذلك، نجدها تطالبه بتقديم طلب مكتوب وبشكل سنوي وتمر العملية بإجراءات إدارية وأكاديمية طويلة، وقد يرفض طلبه لأسباب قد لا تكون لها علاقة بكفاءته العلمية وقدرته على العطاء، ويمكن لمجرد أن لديه خلاف شخصي مع أحد من تمر من خلالهم عملية التعاقد ألا يتعاقد معه أو أن يرفض تجديد عقده حتى لو كان القسم العلمي الذي ينتسب إليه يعاني من نقص شديد في أعضاء هيئة التدريس. وأعرف شخصيا عددا من أعضاء هيئة التدريس المتقاعدين من الجامعات، ممن هم في قمة عطائهم العلمي وقدرتهم التدريسية، يرفضون تعريض أنفسهم لما يرونه إنقاص لقدرهم وأسلوب تعاقد لا يرون أنه يحفظ كرامتهم ويفضلون إشغال أنفسهم بأعمال أخرى بعد التقاعد من الجامعة رغم أن العمل في الجامعة بالنسبة لهم خيار مفضل على أي عمل آخر.
والغريب أن غير السعودي والذي هو في الغالب وكما أشرت سابقا أقل تأهيلاً بكثير يجدد عقده سنويا بصورة شبه تلقائية ولا يتعرض لأي من الإجراءات التي يتعرض لها من تتعاقد معهم الجامعات من أعضاء هيئة التدريس من السعوديين الذين تعرف الجامعات تماما مستوى تأهيلهم ومدى قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم العلمية والمهنية، ومع ذلك يتوقف عطاؤهم ويحرم الوطن من خبراتهم في قمة حياتهم المهنية وفي وقت نحن في أمسّ الحاجة إلى رفع كفاءة توظيف مواردنا البشرية وتعظيم الاستفادة منها لا تعطيلها وهدرها.