د. عبدالرحمن محمد السلطان
مع التراجع المستمر في أسعار النفط الخام نُشر العديد من المقالات في صحف غربية حول وفاة منظمة أوبك وانتهاء دورها وأنه لم يبقى إلا أن تغلق أمانتها العامة في فيينا. نشر مقالات من هذا النوع في صحف رصينة يظهر حجم الجهل بطبيعة السوق النفطية وأهمية الدور الذي تقوم به أوبك. وأوبك كان أولى أن تغلق أبوابها بين عامي 2009 و2013 من أن تقوم بذلك الآن، ولو أنها أغلقت أبوابها في تلك الفترة لربما لم يكن أحد ليهتم بهذا الأمر، فالإعلام لم يكن حتى يبدي اهتماماً باجتماعات وزرائها أو يكترث بما يتخذونه من قرارات. لكن الوضع مختلف تماماً الآن وأوبك في غاية الأهمية وهي أبعد ما تكون من أن تكون ماتت، فيا ترى ما هو سبب ذلك؟!
سبب ذلك أن دور ومهمة منظمة أوبك هو ضبط حجم المعروض في السوق النفطية وضمان عدم تجاوزه حجم الطلب حتى لا تتدهور الأسعار، وهي الصفة الملازمة للسوق النفطية عندما لا يكون هناك جهة تقوم بذلك. وخلال الفترة من 2009 وحتى 2013 كان جميع منتجي النفط في العالم ينتجون عند طاقتهم القصوى وكانت المملكة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تمتلك طاقة إنتاجية فائضة. ولم تكن أي دولة عضوة في أوبك مقيدة بحصتها المحددة بموجب اتفاقيات المنظمة، وإنما هي مقيدة فقط بقدرتها الإنتاجية لا أكثر. وفي ومثل هذه الظروف لا دور لأوبك لتلعبه، باعتبار ألا حاجة لتقييد العرض النفطي، بالتالي لو أغلقت أبوابها لن تفقدها السوق النفطية.
الوضع الحالي للسوق النفطية مختلف تماما، فمع ارتفاع أسعار النفط خلال العشر سنوات الماضية بشكل كبير وبقائها مرتفعة حتى مع تدهور وضع الاقتصاد العالمي زادت جدوى إنتاج النفط من المصادر غير التقليدية كنفط الرمال النفطية والنفط الصخري بحيث تزايد الإنتاج العالمي من النفط بصورة ترتب عليها أن تظهر بوادر فائض في المعروض مع بداية عام 2014. أي أن السوق النفطية عادت من جديد لطبيعتها المتمثلة في ميل هذه السوق إلى أن تعاني من تخمة في المعروض، وهو ما يحتم وجود جهة تتولى الحد من هذا الفائض تجنباً لانهيار الأسعار وتعرض السوق لتذبذبات عنيفة، وهو الدور الذي لا يوجد في السوق النفطية حاليا أية جهة أخرى يمكن أن تقوم بهذا الدور بدلاً عن أوبك.
بالتالي من يعتقد أو يظن أن أوبك قد توفيت ولا حاجة لها لا ليفهم طبيعة السوق النفطية ولا تاريخها، وكون أوبك قررت ألا تقوم بهذا الدور لا يعني موتها أو انتفاء الحاجة إليها، والانهيار الحالي للأسعار نتيجة عدم قيامها بهذا الدور أكبر دليل على حيويتها وأهميتها لا دليل وفاتها وانتهاء دورها كما يتوهم الكثير.
فالسوق النفطية لا يمكن أن تستقر ما لم تعود أوبك إلى لعب دورها التاريخي كمنتج متمم، وكلما ساءت أوضاع السوق كلما كانت الحاجة أكبر لتدخل أوبك، والسؤال هو فقط متى ستقرر أوبك كمنظمة أنها غير مستعدة ولا قادرة على القبول بهذه الأسعار المتدنية؟، عندها ستظهر قدرة أوبك على التأثير في هذه السوق ويظهر أهمية دورها. فطبيعة هذه السوق هي التي فرضت وجود أوبك، وستظل أوبك تلعب دوراً محورياً في هذه السوق إلى أن يأتي من هو أقدر منها على أداء هذه المهمة.