إبراهيم بن سعد الماجد ">
عندما وحد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - هذه البلاد كان من أولوياته تأمين سبل قاصدي بيت الله الحرام ,وكان له ما أراد بفضل الله وتوفيقه, فصار الحاج يقطع المسافات الطويلة وحيداً لا يخشى إلا الله والذئب على راحلته, يأتون جماعات ووحدانا على ظهور أبلهم من أقاصي الجزيرة العربية آمنين مطمئنين لا يخشون قاطع طريق ولا اعتداء معتدٍ بفضل الله ثم لما يعلمونه من حزم موحد هذه البلاد في استتباب الأمن وتأمين الطريق.
هذا الأمن وهذا الاستقرار لقي ترحيباً كبيراً من شعوب العالم الإسلامي مما جعل الجميع يكن لهذه البلاد كل المحبة والتقدير, ولقيادتها صادق الدعاء,فضجت منابر الكثير من جوامع عالمنا الإسلامي بذكر محامد هذه البلاد وقيادتها.
هذا التقدير قُبل بالمزيد من العناية والرعاية بحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام, فكانت التوسعات المتعاقبة للمسجد الحرام وللمسجد النبوي الشريف وكذلك التطوير المستمر لمشاعر الحج.
لكن شراذم مؤذية كانت على مر التاريخ لا تريد لهذه البقعة الطاهرة الأمن والاستقرار , ومن العجيب أنهم سلسلة متصلة ببعضها في حقدها وغيها وسوء معتقدها, فكانوا القرامطة وتاريخهم الأسود وقصتهم مع الحجر الأسود وقتلهم ثلاثين الفاً من حجاج بيت الله الحرام !! وكان خلفهم حجاج الإفساد منذ عام 1399 للهجرة وهم يحاولون إفساد الحج على الحجاج بل لقد تسببوا على مدى العقود الثلاثة الماضية في قتل العديد من ضيوف الرحمن!!
إن الأحداث التي جرت في حج هذا العام تؤكد أن بلادنا تتعرض لكثير من المهددات التي استباحت شرف المكان والزمان، سعيا للحصول على ما ليس لها، فحادثة التدافع في مشعر منى لم تخلو من الكيد والتدبير وشبهة التآمر على أمن وسلامة الحجاج، ولن نستبق التحقيقات للقفز على نتائجها ولكن نكتفي بالمؤشرات وما رشح من أفكار حول الأسباب التي قادت الى ما حدث.
لقد عُرفت المملكة بحسن وفادة ضيوف الرحمن على مدار العام، وبذلت الكثير من أجل توسعة الحرمين الشريفين من أجل راحة الحجاج والمعتمرين، وذلك أمر لا يمكن إنكاره ويعرفه القاصي والداني، وأرقام الإنفاق من الضخامة ما يؤكد جدّية بلادنا في خدمة الحرمين الشريفين، فضلا عن تأهيل كل الكوادر الوطنية لإتمام خدمة ضيوف الرحمن وحسن التعامل معهم وهم في أفواج بشرية تمثّل أكبر حشود بشرية في العالم, وحققت بلادنا التميز العالمي في إدارة الحشود, بما دفع بمؤسسات غربية متخصصة في إدارة الحشود أن تزور المملكة للإطلاع على هذا التفوق.
كثير من الإيجابيات التي لا يراها من يكيدون ويحاولون أن يحدثوا في أرض الحرمين خرابا وتدميرا، ولكنها تبقى عنوانا بارزا لتفوق الإدارة والإرادة السعودية في هذا العمل الشريف والنبيل الذي أكرم الله بلادنا به، ولا يمكن العبث به على هذا الشكل المفضوح الذي لا يليق بمسلم أو مؤمن يفترض أنه ما قدم الى الديار المقدسة إلا تقربا وتعبدا لله، ولكن الشيطان يوحي الى أوليائه فيزدادون خبثا في المكان والزمان الأعظم والأشرف.
نجاح بلادنا في إدارة موسم الحج لا يبتغى منه إلا رضا رب العباد، الذي اختصنا بهذا الشرف قيادة وشعبا، ولا يمكن لغير الله أن ينزع ذلك منا، ولذلك فإن من يسعون لاستغلال حوادث عرضية متوقعة ومحتملة، بغض النظر عن أنها من تدبيرهم، يرتد كيدهم الى نحورهم، ولا يمكن لجهة أن تنزع ذلك الشرف مطلقا، وما حدث درس مستفاد من المؤكد أن الأجهزة المعنية لن تسمح بتكراره أيّا كانت الظروف، فالحج تعبير عن وحدة الأمة وليس تفرقتها واستغلال حشودها لقتلهم وخلق الفتنة وسطهم.
ومن خلال كثير من التفاصيل التي تؤكد دور القائمين على الخدمة يمكن لكل مسلم أكرمه الله بالقدوم الى المملكة أن يلتمس مدى الصدق والإخلاص والتفاني في خدمتهم من أهل هذه البلاد، وذلك سلوك طبيعي وفطري أصيل في مجتمعنا، وليس أمرا نتكلّفه أو ندّعيه وإنما هو خالص لوجه الله نبتغي به الأجر والمثوبة، ولذلك فإن أي دعاوى للكيد والدس لا يمكن أن تؤثر في نبل المقاصد وصدق التوجهات، والمسيرة ستمضي في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن كما يؤكد ذلك دوماً إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لا يهمنا تدبير أو تآمر، وسيتم التعامل بحزم وحسم مع أي محاولات للأضرار بأمن الحرمين فذلك من أوجب واجباتنا وجزء من حقوقنا الأصيلة في حماية المقدسات والحجاج والمعتمرين وضمان عدم خروج أداء شعائرهم في هذه البقاع عن أي مسار تعبدي الى أنفاق مظلمة من العمل الذي لا يتناسب مع قدسية المكان والزمان.
وحين يشرف خادم الحرمين الشريفين بنفسه على راحة وأمن الحجاج، فذلك تأكيد بليغ لعناية قيادتنا وبلدنا براحتهم، وتعزيز لدور الخدمة الشريفة الذي لا نتنازل عنه أو نسمح بنقاشه مع آخرين يسعون لانتزاع هذا الشرف والعبث به، فالأمة بحاجة الى التوحد والالتفاف وليس الى البحث فيما يعمل على تمزيقها، وذلك أمر ثابت في استراتيجيات المملكة التي تقود العالم الإسلامي وتعمل على حل مشكلاته والوقوف مع جميع شعوبه ومجتمعاته بالعون والسند، فالأمر لا يتوقف عند رعاية الحرمين وحسب وإنما يمتد ليشمل كل ما يتعلق برعاية المسلمين، بافتتاح المساجد والمدارس ودعم الأنشطة الدعوية والقوافل الخيرية وجمعيات النفع العام التي تسعى لتحقيق مجتمعات الكفاية في بلاد الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فهي عون لكل مسلم في كل بقاع العالم ويكتمل ذلك العمل الجليل بحضورهم الى الحرمين لأداء مناسك العمرة والحج فيتم الاستقبال على أحسن الوجوه والرعاية الكاملة لهم طوال إقامتهم وحتى مغادرتهم وفي أذهانهم أجمل الذكريات عن هذه البلاد التي تظل تحسن الخدمة وتعمل بها كشرف وليس غاية لمكاسب دنيوية أو سياسية لا تليق بالمقدسات كما يسعى ويعمل له آخرون بصورة رخيصة.
تظل المملكة وجهة المسلمين وتعزز حرصها على خدمتهم دون من أو أذى، وذلك ديدنها فالكل منا يسعد بخدمة ضيوف الرحمن، ونخلص له، ولكن المتآمرون الذين نزع الله من قلوبهم الرحمة لا يترددون عن سفك الدماء وإراقتها لتحقيقات مآرب دنيوية ومكاسب سياسية رخيصة، غير أن الله يرد أمرهم، وتبقى هذه البلاد آمنة ومطمئنة، وماضية في منهجها الرسالي لخدمة الدين والمسلمين في شتّى أنحاء العالم، لأن أولئك لا يعرفون حجم الشرف والنبل الذي أكرمنا الله به من وراء ذلك، وهو أمر يثبته غالب أهل الملّة للسعودية تراضيا وقبولا ولا يسمح بإثارتهم في قضايا انصرافية ليست في صالح وحدة الكلمة، والانشغال بما هو أهم وضروري لصالح الدين والدنيا، وستبقى بلادنا عونا للإسلام وخادمة له في كل ما يتعلق بنشر دعوته ورسالته في جميع أنحاء العالم كما العهد بها، ولا عزاء للظالمين.
بقي أن أقول في هذه القراءة لوجه الحج أن مسؤولية المملكة العربية السعودية عن أمن وسلامة ضيوف الرحمن لم ولن تكون مجالاً للنقاش ولا للحوار ولو مجرد حوار عابر,فوجه الحج المشرق الذي قاتل من أجل إشراقته مؤسس هذه البلاد سيبقى بإذن الله مشرقاً بأمنه وإيمانه.
والحمد لله رب العالمين.