رمضان جريدي العنزي
البارحة وحيداً، إلا من عصا أهش بها قطيع الحزن الذي غزاني. أنا ما زلت مندهشاً بعجب، أكاد أحس بأن هناك كلام غواية، أو أخمن بأن هناك فخاً منصوباً عند موضع وشاية عتيقة. آخر حكايات المدينة الصغيرة النائية. شباب يفع مدموغون في عقولهم، مارسوا القتل الحرام ببساطة كلهو محرم، تبين بعد أن انقشعت ستارة المرأى، وانفتح النص، ونزلت الأصوات، وانزرعت فوق ضروع الأرض بور وسبخات، أن وراء الحكاية أشباحاً وخفافيش وسكان كهوف، جاؤونا كنص غير مدهش، ولحن مزعج نشاز، وقصيدة ناقصة مبتورة، كلامهم وأعمالهم لا تنمو ولا تتراكب، وسردهم غير واقعي، يشبه خرافة المتن والهامش، سلكوا طريقاً غير سهل ولا ممتع ولا آمن، وبه مهاوٍ، وأشجاره المحاذية قطوفها غير دانية، أعمالهم المفاجئة وغير الطرية غير متناغمة مع ديننا الإسلامي الحنيف، ولا حتى مع عرفنا ولا عاداتنا ولا علاقتنا الاجتماعية الحميمة. يا أيها الشباب المغرر به: يفترض أنكم تحبون الحياة وباذخون بها، وأشكالكم وسيمة، وتحبون الركض حول البحيرات والشواطئ والبراري العذاب، وتسافرون نحو المدن النائية، تدخلون المتاحف، والمكاتب، والجامعات، وتزورون الحدائق، تبتسمون للأطفال، وتحاكون الياسمين، في أرواحكم طفل، وفي قلوبكم بياض، وفي عقولكم إبداع، فكيف تحبون من يحب الهلاك والدمار وتقبيح كل جميل وبهي؟ وكيف تتآلفون مع أشخاص وهميين مقمّطين بسواد باذخ؟ يغطّسون إبهامهم في حلق الحياة ليسدوه، تأويلهم رخيص، وأهدافهم غارقة في القبح وفي البشاعة، ونظراتهم غير هادفة ولا مجدية. يا أيها الشباب: دعوكم من هذا الهراء المدمع، لا يغويكم الغش والتدليس والحكاؤون وناصبو الفخاخ، سيفرون منكم ذات يوم، ولن يكونوا لكم أصحاب ولا جلساء ولا ندماء ولا أخلاء، سيتركونكم هائمين وحدكم في طرقات المدن النائية البعيدة، سيضحكون عليكم بتشفٍ ومتعة، وربما سيسحلونكم ذات يوم سحلاً، ويشدّونكم بحبل غليظ، ويجلسونكم فوق دكّة فائضة على باب عتيق، ثم ينادون بالرعاع؛ لكي يرجموكم بقاسي الحجر، ولا تبرحوا الجبل والسفح حتى تلفظوا أنفاسكم الأخيرة، وقد فعلوا. يا أيها الشباب: لا تخونوا وطنكم، ولا تحرضوا عليه، ولا تفسدوا علينا الود والوحدة والاتحاد والتآلف، ولا تقولوا ما لا نعتقده، لا تتمادوا في البغي والغي والدم، كونوا واقعيين، واهجروا الشيطان وداعش، اقتلعوا الشوكة، وازرعوا مكانها وردة، أنتم جميلون، ولا تحبون القبح، وجوهكم تملج بمحوق البهاء، اركلوا كلام الأعداء المتصحّر المتصخر فوراً، وافتحوا خزانة الحقيقة، استعينوا بتاريخ أسلافكم المجيد، تمهلوا، لا تكونوا كمن مسّه الجنّ، وتاه منه الرشد، وزاغت عنه الحكمة، فنسي الله والرقابة والرقيب، لا تكونوا كذاك الذي لم يجد من يخمشه، فخمش نفسه، وحنّى ظهره لسياط الماكرين، ورمى على الحقيقة والهدى الثلاث المثلّثات. لقد خذلكم الدواعش في كومة كلام، وأوهموكم بأن الأمر لا يعدو كونه حكاية، أو فاصل قصير، أو رحلة عامرة، أو غزوة ثمينة، أو صبية مسبية حسناء. يا أيها الشباب: لا يغرنكم معسول الكلام وطريه الذي تزينه لكم شياطين الجن والأنس. أقترح عليكم أن تشتغلوا على العودة من الغواية، وبمقدوركم العودة ثانية. املؤوا ثقوب حياتكم بالبحث عن الحقيقة، واربطوا خيوطها خيطاً خيطاً. وما دمتم أبناء لهذا الوطن العامر المعطاء فيجوز لكم أن تعتذروا، ويجوز له القبول. انزلوا قليلاً من عاج أعمالكم وكلامكم وتآلفكم مع الأعداء، واهبطوا شطر المتاح، ارسموا مفردة جميلة، ولا تذهبوا صوب الخديعة السوداء، اهربوا من صنف الدسيسة، ورمموا ثقوب الحكاية، بعيداً عن التفخيم والتضخيم والتأويل والخداع في الشأن المتصل بإطلاق الكلام وخلع الألقاب والخصال. أرأيتم الناس الأسوياء كيف يمزجون قهوة الصباح بهديل العمل المذهل، والإنتاج المبهر، والرزق الحلال. لا تجعلوا صوركم في أذهان أهلكم أكثر تعقيداً وبؤساً وحزناً بسبب من التشظّي الصوري، والانثيال البطر، امسحوا من ذاكرتكم مقاطع الخرافة وتقنية التغبيش والتضبيب والكراهية. هذا حلّ حسنٌ مريح، وفكّ لظروف طارئة. يا أيها الشباب.. أمهاتكم وآباؤكم أناس عظماء، أنجبوكم لكي تكونوا لهم سنداً وعوناً وسعادة، لا أن تكونوا لهم بؤساً وشقاوة وعداوة. اضغطوا على أنفسكم، وانحنوا نحو المسار السليم.. أطلقوا لغة الكلام الجميل، وقولوا كلاماً محكماً مسبوكاً، وأفعالاً غاية في النضارة.. ذيلوا كل ذلك بحب أهلكم وذويكم ووطنكم وولاة أمركم، كونوا مع الله، وانبذوا الشيطان وأهله وأعوانه.