د.موسى بن عيسى العويس
المقال مبني على افتراض احتفاظ قادة (الرأي العام) بمكانتهم من حيث التأثير، لكن يبدو أن قادة (الرأي العام) من المفكرين والمثقفين والكتاب منوا جميعاً بهزيمة قاسية ومؤلمة على يد رواد مواقع التواصل الاجتماعي من فئة الشباب، وبقي فيما أظن فئة قليلة من الدعاة، أو رجال الدين ذات أثر نسبي في محيط محدد، رغم معاناتهم من التشظي، بسبب الانقسامات الحزبية القديمة والمتجددة التي عصفت بهم أفرادا ومؤسسات.
ولهذا كان الانفلات والتمرد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى هو سمة العصر، أو مرض العصر المستعصي على كثير من المجتمعات، ولعل أجمل وصف يصور حالة الاضطراب، والصراع، والفوضى والاحتراب بين الأطياف والفئات، وضياع الأمل المعقود قول الشاعر، وهو يستشعر مرارة الواقع:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولوا فبالأشرار تنقادَ !
هذا هو لسان حال (قادة الرأي) أمام فئة من الشباب، ومن الجنسين أيضاً، قادهم اليأس في بعض صوره، وضعف الرقابة، والوازع الديني والوطني إلى الانكفاء والتغريد وفق ما تمليه عليه أهوائهم، أو ما يريده الأشرار منهم، فتبنوا أفكارا دخيلة ضالة تكفر بجميع الثوابت والأعراف والقيم، ووجدوا من يقودهم ويوجههم بسهولة من خارج تلك الدوائر التي هزمت نفسها بنفسها ممن سميناهم بقادة (الرأي العام)، حينها وجد الأشرار من الخلق ما يريدونه من شباب في مقتبل الحياة انفتحت أمامهم جميع القنوات.
اليوم قادة (الرأي العام ) منقسمون على أنفسهم، وهم يفسرون، ويناقشون، ويحللون جوانب من قضايا (الإرهاب)، فهم مختلفون كل الاختلاف في أساليب التوعية والمعالجة، ومختلفون كل الاختلاف في طرق وأساليب ومصادر وبؤر ذلك الفكر، وأسباب انتشاره، ومتفقون كل الاتفاق على الفشل. اتهمت مؤسسات دينية وخيرية، ومورس عليها شيء من الضبط والرقابة والمتابعة ولازالت تحت المجهر، لكن اتضح للجميع أنها ليست المصدر الوحيد، أو الحاضن الأقوى لهذا الفكر الخطير. صحيح المؤسسات الإعلامية الرسمية، والمنتسبين إليها يقفون، أو يترددون عند المعالجة للمشكلة من الناحية السياسية، وبخاصة حينما تتصل بالممارسات الدولية، كحالات القمع، والاضطهاد، والتنكيل والتشريد، وربما أن تلك الأسباب التي يتمتم حولها بعض الكتاب هي الوتر القوي، والصوت الناقد الذي عزف عليه، ونادى من خلاله الإعلام الحر المنفلت أحياناً من كل الضوابط الأخلاقية والاجتماعية والدينية، بل وحتى ما يدخل تحت مسمى العرف العام.
ولو أخذنا في هذا السياق كطرف ثالث (وزارات الإعلام في العالم العربي)، وهي الجهة المسؤولة بالدرجة الأولى في توجيه الرأي العام من خلال قنواتها ووسائلها الإعلامية لوجدناها كذلك قد أصابها الوجوم، وتلاشى دورها أمام زخم الإعلام الجديد الذي تقوده مؤسسات القطاع الخاص والأفراد كذلك.
عولمة الفكر والثقافة خلق تحدياً كبيراً أمام دول العالم الثالث، وأفقدهم تلك الخصوصية التي كانوا يدعونها في كل مجال، واليوم ليس أمام الجميع فيما يبدوا إلا أن ينقادوا ويتنازلوا عن بعض قناعاتهم، وذلك بإفساح مساحة واسعة للشباب في كل قضية، ومن طبيعة البشر أيّا كان مستواهم الانقياد والاستجابة، حين يرون أنفسهم جزءاً من كل قضية، إذ يستشعر الإنسان بالشراكة الحقيقية في إدارة الشأن الداخلي والمحلي، شأنه شأن غيره من دول العالم الذي يبني بعض الإستراتيجيات منطلقاً من رؤى الشباب وحماستهم.