ومن المعلوم في كتب النحو أن كان وأخواتها، وظن وأخواتها، وأفعال المقاربة تعد جملاً فعليّة وليست اسميّة، والأمر كذلك من وجهة نظر النحو التوليدي التحويلي الذي يسعى إلى تعيين المبادئ النحوية التركيبية العالميّة كما هو مقرر في النحو النواتي
ومقرر في نظرية سَ لتشومسكي (Chomsky 1957) لكن إدراجها ضمن مفهوم الجملة الاسميّة مهم وذلك بسبب أن المبتدأ في الجمل الاسمية الصغرى المدمجة ضمن الجمل الفعلية الكبرى يعد المسند إليه topic في البنية المكوّنة (انظر: مغني اللبيب، ج 2، ص380، 381، 382 حول مفهوم الجمل الكبيرة والجمل الصغيرة) ومن الممكن أن تؤخذ مسألة بعض الاحتياجات الأكاديمية لدى طلاب مواد اللغة العربية غير المتخصصين لا لأجل تحديد نوعية هذه الاحتياجات التي تعيّن طرائق إعداد مواد لغوية متخصصة لتلبية الأغراض الأكاديمية وفقاً لتخصصات الطلاب المتنوعة، بل لأجل تغيير نمط تدريس المهارات اللغوية في مقررات المواد اللغوية العامة. ولا نلحظ في سياقات تعليم العربية في الغالب أي تدريبات إلقائية elocution تمرّن الطالب على حسن الإلقاء، كما أن مهارة التحدث عن أبناء العربية لا تقاس ولا تقوّم ولا تُقيّم، وكأن فحص هذه المهارة مقصور فقط على متعلمي العربية الناطقين بغيرها. وقليلة تلك التدريبات التحويلية transformational drills التي تقوم على دفع الطالب إلى إعمال الفكر اللغوي لتحويل تركيب ما إلى تركيب آخر، كتحويل التقرير إلى استفهام، أو تلك تدريبات تواصليّة communicative drills داخل حجرة الصف التي تدفع الطلاب إلى استعمال اللغة مناظرةً مع الزملاء أو حواراً أو محاولة إقناع حول موضوع يستدعي بشكل افتراضي التراكيب النحوية المتعلّمة، أو تدريبات نمطية pattern drills أو تبادلية substitutive تقوم على مبدأ الاستبدالات بين الوحدات المعجمية في البنى التركيبية النحوية التي تستلزم تغيير صرفيميّات هذه الوحدات.
وثمة أنماط تدريبية معمول بها في سياق تدريس اللغة/ اللغات مثل: التدريبات الآلية mechanical drills، والتدريبات الدلالية meaningful drills، والتدريبات الاتصالية communicative drills، ونمط النوع الأول من التدريبات نافع في سياق تعليم اللغة لأبنائها لاعتماده على ما يسمى بالمحاكاة mimicry أو التقليد imitation، وهناك مسألة مهمة تستدعي متخصصي اللغة العربية أكاديمياً أو تربوياً إلى فهم السياقات المختلفة التي تُحدَّد وفقاً للنوعية اللهجية والثقافية لطرف الطالب الذي يعد طرفاً ثالثاً من أطراف العملية التعليمية الثلاثة: (المدرس - المادة اللغوية - الطالب)، والعمل على تخطيط المدونة الحاسوبية - بشكل افتراضي أو بشكل مصاغ كماً وكيفاً - مهم جداً لكل طرف، ومحاولات السعي إلى إعداد مواد لغوية تهدف إلى تعليم عناصر اللغة ومهاراتها بلا تخطيط علمي ومنهجي مدوني (تخطيط المدونة الحاسوبية corpus planning) ستضعنا في سياق تدريس تصنعي غير طبيعي، والتصنع مخالف لأنظمة اللغة.
والتمثيل بالبنى البسيطة التي تعكس القواعد الأساسية للنحو، وصولاً بشكل تدريجي إلى تتمات complements الجملة البسيطة القائمة على ما يسمى بمبدأ الإسقاط projection principle وذلك كله في سياق حواري اتصالي يتضمن حوارات ونقاشات ومناظرات وألعاب لغوية (ترتيب نصوص أو أفكار داخل نص مبعثرة فقراته، القراءات السريعة للعبارات، الصور والتعبير عنها مع تدريب الطلاب آليًا على البنى الأساسية وتحفيزهم على مَوْضعة التتمات بناء على التدرج النحوي التعليمي مع التغذية الراجعة والتصحيح). وتتعين كذلك عند إعمال مبدأ التدرج من الجمل البسيطة إلى المركبة (أو من الجمل الصغرى إلى الكبرى على حد قول ابن هشام في المغني) الاستفادة بشكل مكثف من وسائل تقديم هذا الموضوعات مع كيفية شرحها وإعمال مبدأ الانتقاء selection فيها. والعمل على تحديد إعداد مدونات لغوية corpora متنوعة بتنوع أجناسها ومرتبطة بالسياقات الاتصالية الخاصة للطلاب العرب من ذوي الاختصاص (اللغة الإنجليزية للأطباء/ اللغة الإنجليزية للمهندسين/ اللغة الإنجليزية للمتخصصين في الاقتصاد...إلخ). والمدونات الحاسوبية العمادية تعد المعول الأساس الذي يُحدد حجم تلك الأجناس، وطبيعة الأنماط التركيبية النحوية فيها لأجل استعمالها للأغراض الخاصة بشكل طبيعي. ويشرع متخصصو اللغة العربية في تصميم الكتب إلى تصوّر مخططٍ layout تقوم عليه مفرداتها، وموضوعاتها، وتوظيف مبادئ التتميم والإسقاط والانتقاء، بالإضافة إلى ضرورة تجنب حرمة نظام السرد الذي يتبعه معظم النحاة في تقديم موضوعات النحو فرادى دون وجود الترابط التركيبي التسلسلي لنظام النحو العربي الطبيعي، وهو ترابط يتشابه من ناحية المبدأ مع مفهوم إلحاق التساوي sister-adjunction لدى تشومسكي (1965) ومثال ذلك: تعليم النحو العربي وفقاً لمبدأ إلحاق التساوي: المبتدأ والخبر، كان وأخواتها، إن وأخواتها، كاد وأخواتها، إن وأخواتها، أو تعليم النحو العربي (وهو المرفوض) الذي لا يقوم على مبدأ إلحاق التساوي: المبتدأ والخبر، الحال، الممنوع من الصرف، التمييز، الاشتغال!
كما أن فرضية مقبولية التعلم مهمة جدا في سياق تعليم العربية، فكل تركيب نحوي قليل الاستعمال أو كل وحدة معجمية قديمة لا تستعمل ليست ضمن المقبولية على الإطلاق، ولن تُعزّز من حماس الطلاب في تعلم العربية! وهذه الفرضية قد نادى بها بينيمان Pienemann وتقوم على أن متعلمي اللغة لن يوظفوا تركيباً نحوياً جديداً حتى تكون لديهم القابلية لذلك، فلو لم تكن هناك علاقة بين التطور المعرفي الواضح حول قاعدة نحوية ما والقدرة على إعادة توظيفها لجمل جديدة من دوافع “المقبولية” فإن التعلم هنا لن ينجح! وعوداً إلى نظام السرد المذكور آنفاً، فإن إعمال هذا الترابط البنيوي التركيبي التسلسلي ليس كافياً؛ لأنه لا يزال قائماً على مبدأ القواعد، وتُرى الفائدة لو أُعملت هذه المبادئ التي ذكرناها على انتقاء أمثلة حيّة تتعلق بمحيط الطالب، وتعكس أنماطاً تركيبيّة متصلة بموضوعات النحو من جهة، وبإمكانية استعمالها في السياق الاتصالي من جهة أخرى.
ولنذكر الطريقة التالية التي راودتني قبل سنة ولجأت إلى تطبيقها مع طلاب المهارات اللغوية عند تعلمهم العربية بواقع غير منفصل عن الواقع، وأضمن هنا أن تطبيق كل تلك المبادئ التي ذكرناها في هذا المقال والمقال السابق وفق إطار توظيفي سيعين الطالب على فهم العربية بشكل جدي وسلس بدلا من محاولات الفهم عن العربية التي لم تجدِ نفعاً طيلة العقود الماضية في هذا القرن والقرن الذي مضى.
ومن أهم ما يمكن فعله في سياق تعليم العربية ومهاراتها أن يختار كل طالب فعلاً واحدًا يعيش به ويعيش معه وينسجم بواسطته مع موضوعات النحو ذات التساوي الإلحاقي في التتمات، ويكون هذا الفعل فعله وفعل الناس من حوله وفعل الذكور والإناث والجموع والمثنيات والمجتمع بما فيه، ويكون خبره لمبتدأه، ويكون لازمه أو متعديه أو معاً، ويكون هذا الفعل صفته وحاله، كما يكون مفعوله سواء به أو معه أو له أو بمطلقه، ويكون هذا الفعل حكاية الطالب اسميًا وفعليًا، وفي تتماته التركيبية على مدى فصل واحد، وهذه الطريقة أكثر ضماناً في استيعاب سريع ودقيق وعملي لكل موضوعات النحو الأساسية، ولك أن تتخيل استيعاب الطالب العربية ونحوها (لا تَعَلُّمه عن العربية وعن نحوها) في مدة وجيزة تختصر لنا سنوات ضاعت وستضيع في تعلم العربية وتعليمها لأبناء العربية دون أدنى جدوى متحققة بالفائدة إن لم تكن بهذه الطرائق وتلك المبادئ! ومع فعل الطالب الذي يختاره ويفعله طيلة الفصل الدراسي، فإن الانطلاق من الموجودات entities أو الأحدث events سيجعل من هذا الفعل جملة فعلية في محل خبر لاسم مقدم أو تالٍ لشبه جملة أو أي مقبولية نحوية استبدالية أخرى، وهذا الإجراء سيدفع الطلاب إلى إقامة جمل اسمية تبدأ بالمبتدأ وتنطلق إلى مكملاته المتنوعة وهي: (الاسم المفرد: الخبر)، و(الجملة الفعلية: جملة في محل رفع خبر)، و(الجملة الاسمية: جملة في محل رفع خبر وتصاحب فعل الطالب بجملة فعلية مع هذه الاسميّة كيف لا يُفقد حضور الفعل)، و(المنصوبات كلها)، ويأتي بعد هذا الإجراء دور المعلم في تفسير التتمات بشكل واقعي أو تفسير الأدوات الداخلة على الفعل بعد أن يتعرف عليها الطلاب مع المعلم على مدى فصل دراسي أو سنة دراسية، ثم يطلب من الطلاب إقامة نقاش أو حوارٍ حول موضوع يستدعي استعمال تتمات أخريات بوحدات معجمية جديدة، وبشكل تدريجي ينطلق إلى موضوع (كان وأخواتها) و(إن وأخواتها)، و(أفعال المقاربة والترجي والشروع) و(ظن وأخواتها) كاتباً النواسخ وأدوات النصب وأفعال المقاربة والأفعال التي تنصب اسمين أصلهما المبتدأ والخبر مع ضرورة استعمالها كلها مع فعل الطالب ومن واقع الطالب، والانطلاق إلى بقية التتمات المتنوعة من مفعولات أو من تمييز أو حال أو صفة إلخ، واستعمالها في سياق التحدث عن الموجودات والأحداث وبأشكال حوارية أو تعبيرية أو مناظراتيّة ضمن سياق تخاطبي طبيعي افتراضياً. ويُعمِالمدرس مبدأ الموجه المستكشف directed القائم على التصحيح المباشر، وفي حين ذلك يدون المدرس تنوعات تراكيب الجمل الاسمية وتنوعات تراكيب خبرها التي يذكرها الطلاب، وهذا الإجراء موسّع وممتد إلى عدد من الموضوعات النحوية، وللمدرس تحديد مدى هذا التمدد من عدمه وفقاً لمستوى الطلاب.
إن هذا الإجراء قائم -ببساطة- على المبدأ “الطرد المركزي”centrifugal كما هو عند هامرلي Hamerly كقانون فزيائي أولي الاندفاع من المركز إلى المحيط، وفي تدريس اللغة تعني الانطلاق من المحور اللغوي نحو الاستخدام في الاتصال اللغوي، وبدون كل المبادئ وتلك التطبيقات المذكورة وذلك الفعل الذي يختاره الطالب ويختص به، فلن يكون لمبدأ الطرد المركزي في تعلم اللغة وتعليمها أيُّ تحقيق يُذكر.
إن كل هذه التجربة تستحق أن تُطبق على مستوى المؤسسات ليُرى نسبة نجاحها في تعليم وتعلم العربية لأبنائها، وإني شبه متقين من فعاليتها بشروط الممارسة الدقيقة المركبة لها.
- سلطان المجيول