د. حمزة السالم
الأقلية في أي مجتمع قائم تتحسس من أي معاملة أو تصرف من جانب الأكثرية. فالإحسان يفسر على أنه ترضية وتطبيق النظام يفهم على أنه تصرف عنصري والتصرفات الفردية من سفهاء الأكثرية وغلاتهم هي مستند ومعتمد تأويلات الأقلية التعسفية. والأكثرية والأقلية في أي مجتمع يطعن بعضهم في بعض ويقذف بعضهم بعضا ويتهم كل الآخر ولا يأمنه. ولكن العجيب أن الأقلية لا ترى خبث عملها وسوء قولها. وما ذاك إلا لأن الضعيف دائماً ما يرى نفسه مظلوماً - والأقلية ضعيفة في مجتمعها- والنفس السوية جبلت على نصرة الضعيف وتميل إلى تغليب الحق له. ولذا نبه الله سبحانه عباده من هذا فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء.
ومن الأمثلة الشواهد على ما ذكرت الأقلية المسلمة في أمريكا والغرب. فأغلبهم هناك يلعن البلاد التي آوته ويسبها وأهلها ونظامها ليلاً ونهارا في المجالس والمساجد والخطب. بل إن سب البلاد التي آوته هو شرط قبوله في المجتمع العربي والإسلامي لكي لا يتهم بالتغرب والتبعية والعمالة. وتجد أن نسبة من يسب المسلمين من النصارى واليهود أقل بكثير وأخف شدة وعدواناً. وتجد المسلمين يفسرون كل عمل نظامي هو عمل عنصري، ولا تجد أكثرهم شاكراً للمعروف من بلده الأوروبي أو الأمريكي الذي هاجر إليه والذي آواه بعد تشرد وأغناه بعد فقره. ولا ينكر أحد هناك لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الحكومي الرسمي بأن هناك عنصرية ضد المسلمين بشكل عام وخاصة في الوظائف الحساسة والهامة. ولكن هذا حق عام، من أجل الحفاظ على أمن الجميع. يُعذر فيه الغالبية، فيتوخون العدل ويتحلون بالصبر على اتهامات الأقلية.
وكذلك هو حال السود وذو الأصول اللاتينية غير الأوربية. فهم يشتكون من العنصرية رغم ما بذل لهم ويبذل في سبيل تعويضهم عن ذلك كاشتراط نسبة قبول في الجامعات وفي التوظيف إلزامية للسود والملونين وتجريم الألفاظ العنصرية ونحو ذلك. وعلى الرغم من أن أمريكا انتخبت رئيساً أسود إلا أن ذلك يمثل نصف سكانها فقط وما زال في النصف الثاني الكثير ممكن لا يعجبه كون الرئيس أسود، والنصف كثير. وللتو اسمع تصريحات كبار المسئولين وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب - بعد التصويت على مشروع انتخابي له علاقة بهذا - باعترافهم وتأكيدهم لوجود العنصرية في أمريكا والتميز العرقي، وأن هذه الأمور قائمة ومنتشرة على رغم الجهود التي بذلت وما تزال تبذل.
وهذا أمر طبيعي ومن الفطرة. فالنفس تنفر وتستنكر وترتاب من المخالف لها في اللون أو اللغة أو العادات أو الدين أو المذهب. هذا النفور يتحتم منه تصرف يعبر عنه. وهذا التصرف يتفاوت بين العقلاء والسفهاء وما بينهما من مستويات الأكثرية الإنسانية والاجتماعية. فخيرهم يعبر عنه بكتم النفور مع الإحسان للأقلية، ومن هو دونهم في الخيرية يعبر عنه بالحيادية إلى التصريح بتفضيل الغالبية، وشر أفراد الأكثرية من هو يتعمد الإيذاء والعدوان للأقليات.
والشيعة في بلاد السنة هم أحسن حالاً بكثير من حال السنة في إيران. ولا ينكر أحد أنه لا توجد أحياناً عنصرية ضد الشيعة في بلاد السنة. ولكن هذا أمر حتمي طبيعي فطري- كما بينت -من قبل ككونهم أقلية. ولكن الشيعة بحكم أنهم أقلية يتحسسون من كل شيء ويستحضرون بعض الحوادث القديمة، فإذا كيف يفعل السود في أمريكا لو أنهم استرجعوا تاريخهم القريب جداً. والشيعة الأقلية يشتكون من سب السنة لهم ولمذهبهم، وهذا خطأ يرتكبه بعض السنة، ولكن لا ترى الشيعة يعدلون مع انفسهم فيراجعوا أنفسهم وما يقذفون به أهل السنة. تماماً، كما يفعل المسلمون في الغرب وما ترمي به ألسنتهم ضد الأكثرية النصرانية.
لن تنتهي العنصرية والتحيز ضد الأقليات ما دام البشر يعيشون في مجتمعات. وليس الحل في إنكار وجودها بل بالمصارحة والمكاشفة. ولا تحل كذلك بالعنف ولا بالمطالبة بالمثالية وإلغائها بالكامل. فكما أن حسد الأنداد فطرة، فمن أدرك فطرة حسد الأنداد، أحسن التعامل والتعايش مع أنداده وعدل معهم، فكذلك يجب على الأكثرية والأقلية إدراك فطرة التنافر الطبيعي البشري عند الاختلاف العرقي أو المذهبي أو المناطقي. فمتى أدرك الأكثرية ذلك حرصوا على مراعاة الحقوق الأساسية للأقلية ومن ذلك عدم التعرض لمذاهبهم أو تجارتهم أو التمييز في الخدمات الحكومية العامة، كما يجب على الأقلية العدل وعدم المبالغة في التحسس وحسن التعايش والتعامل مع فطرة الخالق، في التنافر والتآلف لا التصادم معها.