د. حمزة السالم
قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3) سورة الزخرف، وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} (44) سورة فصلت. وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (195) سورة الشعراء، وقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3) سورة فصلت. وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (7) سورة الشورى.
فهل الآيات حجة لغير العرب في عدم قبولهم الإسلام؟
والجواب أن دلالة المعنى اللغوي هو من أجل تحديد حدود معنى دلالة اللفظ بمعزل عن التصور الشرعي تماماً، قبل أن تتلبس الأحكام الشرعية الكلمة وتُخصصها بالأحكام.
ولو كانت اللغة تدل على الحكم الشرعي لما احتاج البشر لنبي. ولو كانت اللغة تدل على مصطلحات اي علم من العلوم لما احتاج الناس للأطباء والمهندسين والاقتصاديين والقانونيين.
فالادخار هو الاحتكار ولكنه يختلف لفظاً في اللغة في تعريفه وفي دلالته، والذي يصرف اللفظ لمعنى الادخار أو الاحتكار في المجتمع هو دلالة الحال. وأما في النظام فالذي يحدد اللفظ هو القانوني والاقتصادي. وفي حال الادخار والاحتكار فدلالة اللفظ بمعنى الشرع تابعة لدلالة المجتمع او النظام.
فغالب احكام باب المعاملات تكون دلالة معنى الكلمة شرعاً تابعة لدلالة معنى الكلمة في العرف أو في النظام. وأما في باب العبادات، فدلالة معنى الكلمة في الشرع هي الغالبة والمهيمنة على كل دلالة اخرى لغوية كانت أو نظامية أو عرفية. فالصلاة لغة الدعاء وهي جزء من دلالة كلمة الصلاة في الشرع. وغلبت الدلالة الشرعية على الدلالة اللغوية في لسان العرب، وهيمنت عليه وذلك لكون الصلاة عبادة لا معاملة.
وعموماً فهناك تقاطعات وافتراقات بين التعريفات الشرعية والتعريفات اللغوية. يمكن تلخيصها في ثلاث أحوال.
الأول: قد يكون التعريف الشرعي أوسع نطاقاً من التعريف اللغوي، بحيث لا يكون التعريف الشرعي مرتبطاً بحدود في داخل التعريف اللغوي، بل قد يتعداها لألفاظ كثيرة أخرى أحياناً، بل ويُخرج ما يدل عليه التعريف اللغوي أحياناً أخرى كالخمر. فأصل لفظ الخمر لغة من الخمار، أي التغطية. وأما في عرف اللغة فهو كل ما خُمر من العنب. وأما شرعاً فالخمر كل ما أسكر قليله وكثيره. والحكم هو التحريم.
فخمر العنب المنزوع الكحول هو خمر في تعريفه اللغوي، ولا يدل عليه المصطلح الشرعي، والغاز المُسكر هو داخل في حدود دلالة المصطلح الشرعي للخمر، ولا يدل عليه المعنى اللغوي للخمر مطلقاً.
ومثاله في العلوم الاخرى كثير. فمثلا القهوة والشاهي المنزوعا الكافين ليسا داخلين في مصطلح علم الغذاء العلاجي تحت الشاهي والقهوة، بينما ما زالا يُسميان قهوة وشاهي في اللغة وفي العرف.
والحال الثانية: أن يكون التعريف الشرعي متوافقا نطاقا من التعريف اللغوي. مثاله: كما هو الحال في تعريف الذهب وتعريف الرق. وما اتفق عليه نطاق دلالة اللغة ودلالة الشرع فهو بينة واضحة على امتناع القياس. وقصر الحكم على المحكوم فيه بالنص. كالذهب والفضة والرق والخنزير الأهلي والحمار الأهلي.
وأما الحال الثالثة: فقد يكون التعريف الشرعي أضيق نطاقا من التعريف اللغوي.
مثاله: الربا في اللغة هو الزيادة في القيمة أو عدد أو وزن أو حجم. وليس هو كذلك في الشرع. فالتعريف الشرعي أضيق بكثير من التعريف اللغوي. فكل بيع حاضر بربح هو ربا فضل، لغة لا شرعاً، لأن فيه زيادة الربح. بل إن كل معاملة تبادلية مالية بين اثنين لا بد وأن ينتج عنها زيادة مال أو منفعة فوق الأموال المتبادلة، وهذ هو الربا في اللغة.
وكل تأجيل في الزمن فهي في اللغة هو ربا نسيئة. فللزمن قيمته، وتأجيله زيادة له - أي للزمن، فهي بالتالي زيادة قيمة.
وليس هو كذلك في الشرع. فبيع التقسيط والسلم وبيع الأجل والقرض كلها في تعريفها اللغوي ربا نسيئة. ولكنها ليست بربا في المعنى الشرعي.
فاللغة تدل على دلالة الشرع أحياناً ويخرج عنها أحياناً أو يحتوي بعضها ويخرج بعضها. ولولا الوحي لما عرفنا ولا فرقنا، فاللغة غير الدين. فمتى فُهمت الدلالة اللغوية بأي لغة كانت، فإن الحكم الشرعي وحي لا يتغير ولا يتبدل. فلا حجة لعربي ولا عجمي في استئثار الفهم بالدين أو في الجهل به.