الجزيرة - واس:
أوصى فضيلة عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ المسلمين بتقوى الله تعالى وشكره على نعمه عليهم لتحقيق رضاه جل وعلا. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض: أوصيكم بما أوصى الله به الأمم الغابرة، والأمة الحاضرة {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}، من تنبه سلم ومن غفل ندم، وقال تعالى{يَا أَيّهَا النَّاس اذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِق غَيْر اللَّه يَرْزُقكُمْ مِنَ السَّمَاء وَالْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، لقد قام نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يشكر الله على نعمه، لأن الشكر هو نصف الدين، والله شكور حليم، والله يحب الشاكرين، ثم أمر الله سبحانه وتعالى بالشكر ونهى عن ضده، وبين أن العبادة هي الشكر.
وأضاف قائلاً: لقد امتدح الله أولياءه الحنفاء، وأصفياءه الأنبياء، لأنهم يشكرون الله على نعمه، فذكر الله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} وإبراهيم أبو الأنبياء، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وجاء عن داؤود وسليمان {الحمد لله الذين فضلنا على كثير من عباده المؤمنين}، وجاء عن سليمان: {قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه}، وحينما أحضر الله له العرش قال: {هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر}، وها هو يوسف عليه السلام حينما أتاه الله الملك وأحضر أبويه وإخوته قال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}، فسأل الله شكر النعمة وصلاح العمل وحسن الختام، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ويقول (أفلا أكون عبداً شكوراً).
وأوضح فضليته أن الشكر هو الثناء على المنعم بما أنعم، ويكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، فيأتي في قلبك أن هذه النعم إنما هي من الله سبحانه وتعالى، وينطق بها لسانك: {وأما بنعمة ربك فحدث}، ومن أهم أسباب شكر النعمة استعمال النعمة لإطاعة الله، وأما استخدامها لمعصية الله فإنه كفر بالنعمة يعرض صاحبة للعقوبة، ولما كان الشكر بهذه المنزلة امتن الله على قريش بنعمتين عظيمتين، يتمناهما كل أحد، وهي نعمة الأمن، ثم أمرهم الله بعبادته، ليتم عليهما هذه النعمة: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.
وأكد فضيلته أن شكر النعمة سبب لرضى الله، {وإن تشكروا يرضه لكم}، وهي سبب للوقاية من عقوبة الله، يقول الله جل وعلا: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً}، ولهذا يقول قتادة: إن الله لا يعذب شاكراً ولا مؤمناً، والشكر سبب لزيادة النعمة وبقائها.. {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}، ولذلك فإنه يسمون الشكر حافظاً، لأنه يحفظ النعم الموجودة، ويسمونه جالبة لأنه يجلب النعم المفقودة، ولما كان الشكر بهذه المنزلة كان من وظيفة إبليس صد الناس عن هذه النعمة، قال: {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}، وكان نبيكم الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله ويقول: (اللهم اجعلني لك شاكراً، اللهم اجعلني من الشاكرين)، ويقول لمعاذ (يا معاذ والله إني لأحبك، ثم قال إني أعلمك كلمات أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ، أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكِ وَحُسْنِ عِبَادَتِكِ)، فهذه الكلمات العظيمة علمها النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ، حتى يستعين بها على شكر الله على هذه النعمة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أنعم وتفضل وأكرم: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، والله سبحانه وتعالى وعد وأوعد، فقال في كتابة العزيز: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.
وقال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ: إن كفران النعمة ممحق للبركة جالباً للعقوبة، يقول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، فأنظر أخي المسلم «فكفرت بأنعم الله» ولم يقل كفرت بالله، لأن كفران النعمة سبب لحلول هذه العقوبة، مشيراً إلى أن من أعظم كفران النعمة الإسراف والتبذير ومبارزة الله في المعاصي، كلا إن الإنسان ليطغى، والله سبحانه تعالى ضرب مثلاً للتبذير {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيل ٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} فأنظروا إلى من حولكم ممن أصابتهم النوازل فبدل الله أمنهم خوفاً، ونعمتهم نقمة، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وتساءل أين ثمود وعاد والفراعنة الشداد، وقال نسوا الله فنسيهم {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
وبيّن أن أسباب حفظ النعم كثيرة خصوصاً نعمة الأمن، حيث كان هناك دولة عظمى تفككت إلى دول وأصبح سلاحها سلعة في أيدي البتاعين، فلم يغن عنها جيشها ولا قوتها شيئاً، وفي المقابل لقد كانت جزيرة العرب قبل الإسلام بعيدة كل البعد عن التاريخ والحضارة، فلما بزغ نور الإسلام ظهرت هذه الجزيرة وأصبحت قبلة للعالم ومركزاً لها، فلم بدل الله عليها نسيت، ثم بعد دعوة التوحيد دعوة الإصلاح عادت دولة العرب مضيئة، فتفجرت كنوز الأرض، وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى ثم التمسك بهذين الأصلين الكتاب والسنة، وظلت كذلك ما دامت متمسكة بهذا الأصل وستستمر مادامت متمسكة بهذا الأساس، ولكن أعداء هذه البلاد لا يريدون أن تكون على حال مستقرة بل إنهم يريدون زعزعة هذه البلاد عن منهجها الشرعي، إن زحزحة هذه البلاد عن منهجها الشرعي تعني بعد هذه البلاد عن أسباب قوتها وتمكينها، إن أي تبديل في الدين هو في الحقيقة تبديل في الحال، ألا ينظرون إلى نعمتنا وأمننا واجتماع كلمتنا، إن هذه القلوب المريضة لا يهنأ لها حال حتى تجد الفوضى والاختلاف، إن الواجب على العقلاء أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، لأن الضرر إذا وقع عم، ولكل إنسان حقه في حفظ الأمن، فحفظوا هذه النعمة واحفظوها من الزوال.