أ. د.عثمان بن صالح العامر
سؤال يعاودني كثيراً وأعتقد أنه يستحق الطرح والمناقشة، خاصة في ظل التوسع الكبير في التعليم سواء العالي أو العام.. ترى هل نحن نشعر بالانتماء الحقيقي لمدارسنا التي تعلمنا فيها الحرف والرقم ثم الكلمة والجملة حتى تخرجنا منها وانتقلنا إلى مقاعد الجامعة، ومنها إلى ميدان العمل، وربما واصلنا مسيرتنا الأكاديمية وصولاً لدرجة الدكتوراه، وهل تولّد عن هذا الشعور الإيجابي - على افتراض أنه موجود - سلوكٌ عمليٌّ يتوافق وقدراتنا المادية أو المعنوية، كالتبرع لها أو الكتابة عنها والثناء على إنجازاتها ومخرجاتها، وقبل هذا وذاك هل حافظ أبناؤنا على نظافة صروحنا التعليمية وكتابهم المدرسي والتزموا بأنظمة حرم جامعتهم؟.
- لماذا لا يشعر البعض منا بالفخر إزاء دراسته في مدارسنا الحكومية وجامعاتنا المحلية ؟
- لماذا يشتكي عدد من معلمي اليوم وأساتذة الجامعات من العقوق البيّن والإنكار للفضل.. هل هذا العقوق - إن صحّ هذا النعت - متولّد من قناعة لدى المتعلم بأنّ ما حصل عليه من زاد معرفي ومنهج علمي وسلوك أخلاقي لا يستحق البر والصلة والاحترام والتقدير وتقبيل الرأس والثناء والدعاء والدعم المادي لمشاريع جامعته التي احتضنته سنوات من عمره غالية؟
- في المقابل يفتخر الشاب الغربي أو حتى المغترب المبتعث للدراسة هنا أو هناك، بأنّ من أشرف عليه في دراسته وحكّم أبحاثه الأستاذ ... وأنه خريج جامعة ... بل ربما تبرع إن كان ثرياً بجزء من ثروته لهذه الجامعة التي درس فيها.
- عندي قناعة أن جامعاتنا - باستثناء جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - لا تكترث كثيراً بتعزيز روح الانتماء لدى طلابها فضلاً عن منسوبيها، ولذلك فالعلاقة بين الطالب والجامعة علاقة مصلحة تنتهي فور تسلمه الوثيقة، بل ربما لا أبالغ إن قلت إن علاقة عضو هيئة التدريس بجامعاتنا السعودية صارت علاقة مادية صرفة ، وغاب عن الذهن الرسالة السامية الملقاة على عواتق الأكاديميين.
- أما مدارسنا الحكومية فهذا الأمر ليس ضمن أجندتها للأسف الشديد ، خلاف الخاصة التي تحاول جاهدة أن تولي مسألة الانتماء للمدرسة لدى الطالب الأهمية التي تستحقها وما زالت في بداية الطريق.
- لقد طرحت هذا الموضوع على جمع من الأكاديميين، والعجيب في الأمر أنّ البعض منهم روى لي مواقف وحوادث شخصية تدلل على أنّ من أساتذة الجامعات من ذاق مرارة العقوق من طلابه الذين كان يفخر بهم ويفاخر، سواء أكان العقوق تهجماً مباشراً في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة، أو داخل القاعة الدراسية وفي ردهات الكلية، أو في ميدان التجارة والأعمال الحرة، أو في الجلسات الخاصة ولدى أهل التخصص!.
- إذا سلمنا بأنّ هناك ضعفًا في الشعور بالانتماء للمدرسة في مرحلة التعليم العام والجامعة بعد ذلك، كيف لنا أن نزرع هذا الشعور الإيجابي «الانتماء» لتتعزز روح الولاء للكيان التعليمي وللمعلم وأستاذ الجامعة على حد سواء لدى جيل اليوم؟.
- بعض الجامعات أنشأت «جمعية الخريجين»، ولكنها لم تفعّل إيجابياً لتلعب الدور المنتظر في ربط الخريج بالجامعة التي تخرّج فيها، وعلى افتراض تفعيلها فهذا ليس كافياً لتقوية الشعور بالانتماء، بل لابد من وجود معززات كالتشجيع والتحفيز والدعم للمبرزين والافتخار بهم وتنمية مهاراتهم خارج قاعة الدرس، ومعايشة مشاكلهم وتوجيههم وربطهم بالعالم الخارجي من خلال الرحلات الطلابية المبرمجة والمدروسة.
- الجامعة ليست فقط مقراً لإصدار الشهادات، بل هي محضن لصقل المواهب وبناء جسور التواصل المعرفي، وإشراك الطالب - فضلاً عن الأستاذ - في المؤتمرات والندوات الخارجية، وتقوية صلته بعالم البحث العلمي المتجدد.
- لابد في نظري من دراسة هذا الموضوع وسبر أغواره وتشخيص مسبباته وصولاً للعلاج، حتى يأتي اليوم الذي نجد فيه الطالب يفخر أنه تخرج في جامعة ... وأشرف عليه في دراسته العليا الأستاذ الدكتور ... دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.