فوزية الجار الله
تغيرت تركيا كثيراً، هناك تحسن كبير في وضعها الاقتصادي يبدو ذلك واضحاً فيما يختص بالقطاع السياحي، لكن رغم الجهد الكبير الذي تبذله تركيا في السنوات الأخيرة لأجل تطوير السياحة إلا أنها لم تبذل الجهد نفسه فيما يتعلق باللغة، حيث يواجه السياح هناك كثيراً عدم القدرة على التفاهم أثناء رحلتهم بسبب سيادة اللغة التركية وعدم التداول بلغة دولية شائعة مثل الإنجليزية حتى في المرافق الحيوية الهامة مثل المطار والفنادق ومراكز التسوق الكبرى هناك غياب لهذه اللغة.
ولأن اللغة الموحدة تعتبر وسيلة هامة للتواصل فإنها حين تغيب يحدث الكثير من المواقف المزعجة وأحياناً الساخرة أوالفكاهية المضحكة، هذا الصيف كنت هناك وقد وجدتني في موقع سكني عبارة عن مجموعة من المباني تحمل أرقاماً متسلسلة، كل مبنى يحمل رقماً مستقلاً.
بادئ ذي بدء كنت ومن معي نطلب سيارة التاكسي، كان رقم المبنى الذي نقيم فيه الرقم A1 وينطقونها بالتركية آ بير (ألفاً ممدودة) ثم كلمة (بير) وهي تعني الرقم واحد باللغة التركية.
حين يتناهى إلى سمعي قول السائق أو أحداً من رجال الأمن القريبين في الموقع « أبير « كنت أقول محدثة نفسي هذا السائق لم يأت بناء على طلبنا وإنما هو قادم لأجل السيدة عبير.
يوماً بعد يوم ولازال اسم السيدة عبير يتردد بغموض حولي، مرة أقول لابد أن لها مكانة كبيرة لكثرة ما يتردد اسمها أمامي، أصبحت أتمنى أن أراها.. متى أرى تلك السيدة عبير؟ تتوالى الأيام ولازلت أسمع من يتلفظ حولي باسمها فأحدث نفسي مرة أخرى لابد أن لها مكانة مميزة وإلا لما أبدوا كل هذا الاهتمام بها، الأمر الغريب أنها غالباً ما تطلب سيارة التاكسي في الوقت الذي نطلبها فيه.. حتى حدث مرة أن سمعت السيدة الموظفة في الأمن تنطق الكلمة بشكل مختلف وانا أحاول التركيز لفهم المحادثة، رأيت الرجل يحمل أغراضاً إلى موقعنا ذاته وقد ترجل من السيارة وتركها خارجاً.. وهي تتحدث وتقول بلكنتها التركية (عابر، عابر) إذا ربما يكون لهذه الكلمة معنى آخر قد يكون معناها يمشي فقد تم منع السيارة في ذلك اليوم من الدخول لأنه يوم الجمعة وحسب سياسة ذلك الموقع السكني لا يتم السماح للسيارات عدا سيارات المقيمين فيه بالدخول في هذا اليوم، نطقت السيدة الكلمة بشكل مختلف وهذا ماجعلني أعيد التفكير في ماذا تعني؟!
في النهاية ضحكت طويلاً حين اكتشفت بأن تلك الكلمة الغريبة التي ظننتها اسماً لسيدة تدعى «عبير» لم يكن سوى رقم البناية التي نسكنها نحن، إذاً كانوا يسألون في كل مرة للتأكد فيما إذا كنا نحن ذاتنا المنتمون إلى المبنى « أي وان» وهذه الأخيرة بالإنجليزية.