رقية الهويريني
هو صاحب معجزة دولة سنغافورة التنموية الحديثة، التي تحوّلت من بلد نامٍ في العالم الثالث إلى مصاف الأمم المتحضرة في العالم الأول، حينما تولى رئاسة الوزراء فيها بعد استقلالها.
كان في مقتبل حياته يحلم ببناء وطن للناس وليس له، وحين تهيأت الفرصة شيّد المصانع وأمر الناس بالعمل لا بالتذمر. وأغلق السجون وفتح مدارس. وطبّق حكم القانون، لذا كان (لي كوان يو) باهراً، بل هو خليط سحري من آداب القيم والحضارة، لحرصه على الكرامة البشرية. وتحوّلت سنغافورة بعهده إلى أنشط ميناء بحري في العالم، وثالث أكبر موقع لتكرير البترول، ومركز عالمي رئيس للصناعات التحويلية والخدمات، ليرتفع بذلك المتوسط السنوي لدخل الفرد فيها من أقل من ألف دولار أمريكي إلى قرابة ثلاثين ألف دولار خلال ثلاثة عقود فقط، كأعلى دخل في العالم آنذاك.
واعتمدت سنغافورة في تحقيق معجزتها على بناء الإنسان والاهتمام بالقيم الحضارية والتاريخ، ومن ثم الانطلاق إلى الأخذ بمقومات بناء دولة حديثة لا تعرف حدوداً للتطور، وقد نجحت التجربة بالفعل، حيث تضم سنغافورة أكثر من 700 مؤسسة أجنبية و60 مصرفاً تجارياً، إضافة إلى بورصة مزدهرة لتبادل العملات الصعبة، ومبانيها أحدث من ناطحات سحاب نيويورك، كما أنها الآن أكثر بلدان العالم نظافة، ونموذج في الحفاظ على البيئة ومثال في المحافظة على مستوى المعيشة، وأكثر البلدان أمناً واطمئناناً واستقراراً.
ألقى السيد (لي كوان يو) خطابه أمام منتدى التنافسية العالمي الذي عقد في الرياض عام 2011م بقوله: (أريدكم أن تبنوا صناعات تسمح لمواطنيكم بالاستثمار فيها، وترسلوا أبناءكم للعمل في الدول المتقدمة لكي يعودوا لتأسيس أعمال صناعية ومصارف إسلامية جديدة في بلدكم، تعلّموا كيفية استثمار احتياطي نفطكم وإدارة مواردكم لتحقيق أكبر فائدة ممكنة).
وفي حديثه العذب دعا إلى تطوير التعليم والتركيز على التخصصات العلمية التي بإمكانها نقل الدول إلى مراتب متقدمة من التطور. واستطرد بقوله: (كنتم بدواً رحّلاً وفلاحين، ولكن الآن أمامكم خيارات عظيمة لتطوير أسلوب حياتكم، والفرصة مواتية لتتساءلوا عن كيفية تطوير اقتصادكم، لتعيشوا حياة ذات مستويات مرتفعة للغاية بعد حقبة البترول).
وقد اعتمدت سنغافورة في بدايتها بيروقراطية صغيرة الحجم قوامها50 ألف موظف ذوي كفاءة عالية وعلى درجة كبيرة من المهنية والتعليم والثقافة. وكان تعيين الموظفين من خلال التنافس المفتوح للجميع، بحيث يحصل موظفو القطاع العام على رواتب تنافسية مثل القطاع الخاص وليس العكس. إلى جانب الشفافية وانخفاض نسبة الفساد الإداري والمالي، فسنغافورة تقع في المرتبة الأولى لمؤشر الشفافية الذي تصدره المنظمة الدولية للشفافية.
ختم هذا العبقري حديثه الشجي عن تجربة بلاده بقوله: (لقد أدركنا الحكمة الصينية التي تقول: سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعشرٌ ضرورية لكي تنمو شجرة، ومائة ضرورية لكي ينمو إنسان. وعملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون، فتمكنَّا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم، ومؤمنين بأنّ الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم).
ترى، ألم يحن الوقت لتطبيق تلك الوصفة الاقتصادية في بلادنا؛ في ظل انخفاض أسعار البترول وتقلُّص الصادرات غير البترولية؟!