د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن واقع الطلاب اليوم مثير لا تحتويه النعوت، وكل الدوائر المحيطة بذلك الواقع في سباق محموم؛ الجميع يريد أن تكون السنارة بيده ليسّتل من بحره ما يدعم ذلك الواقع وفق رؤية الصياد وتفكيره، ولعلنا نكون أقرب إلى الصواب بأن كل صيد موجه للطلاب لابد فيه من إصلاح النظام والممارسات في دائرة الصيد، وإلا فإن السنارة سوف تلتقط صيدا يموت في الطريق، فالكل يرى أغصان الشجرة وفق أفقه إما مائلة أو منحنية أو سامقة.
وكل من يدخل ذلك السباق لا يخرج حتما خالي الوفاض، فيرصِد ويُرصد له؛ وفي الآونة الأخيرة تعلن أوقات صيده، وأماكنها، ومن رافقه في تلك الرحلة وكأنهم في عرس سيف الدولة الحمداني حين انتصاره:
نثرتَهم فوق الأحديب نثرة
كما نُثرت فوق العروس الدراهمُ
وتعلمون مثلي أن المعرفة والعقل الحرّ يكوّنان الشراكة المقبولة لبناء المدارس؛ وأن لكل صيد شرعة ومنهاجا، فمن الحذق أن لا نستهلك الصيد فقط بل أن نعي الأدوات التي أدت إليه.
وأعني بها البنى الفلسفية والثقافية التي رافقت رحلة الصيد؛ وذلك في حال كون الصيد صالحا للاستهلاك، وإلا فهو موات في أضابير المؤسسات.
وباختصار يحتم واقع الطلاب تعديل التعامل مع واقع المنجزات بما يضمن تحقيق المصالح، وبما يضمن استقبال المعرفة؛ فصناعة الأجيال اليوم تجفل ذاتها من المعارف الجديدة؛ كما أن طلابنا لا يلتقطون اللحظة، وهناك برامج تربوية عملاقة إلا أن منسوبي المدارس يكادون يجمعون بعدم قدرتها على الوصول إليهم!!؟ فما هي الحلقة المفقودة بين التنظيم والتنفيذ؟
هل هو مستوى التنظيم؟ أم أنه عدم وضوح فلسفة النتائج؟!! استنادا إلى أن التعليم لا ينتج عن التدريس بل هو نتاج نشاط وفعالية المتعلم، كما أن وضوح الأهداف عند المتعلم سبيل أخرى.
فإذا ما أردنا بناء السفينة فمن الحذق والسبق أن لا ندعو الناس لجمع الأخشاب ولا نحدد لهم مهام العمل فحسب بل الأهم أن نلهمهم كيف يشتاقون لرؤية نهاية البحر والمرافئ الجديدة.
نعم هي مقدّرات تُزجى مادية وبشرية؛ لكن ما الذي يحجب عن المتعلمين خوض مغامرة الفضول والمعرفة على الرغم من أن الفضاءات مفتوحة على أسئلة الممكن والمتاح، والمستحيل؟ أيكون ذاك هو اليقين المدرسي عندما يصبح خاملا؟!! وإن كان ليس تعميما!! ولكن دوائر البين تتسع مع اتساع الحراك في محيطنا التعليمي الذي أذهل الوفود الزائرة لبلادنا؛؛؛
ولعلنا من هذا الحراك وذاك؛ نصيد محارات الدواء لنُصلح فضاءات الطلاب الذين ما زالت أرواحهم تتحدى الخمول؛ وعلى ذمة المتنبي الذي قرّر أن الأجسام ربما صحت بالعلل.
لعل عتبَك محمود عواقبُه فربما صحت الأجسام بالعللِ
فمن يقول إننا لا نستزرع المعرفة في أرض يباب؛ إنما من الميسّر لنا تخصيب الأرض فنحن في وادي عبقر؛ إذا ما عدّلنا المسير، وحددنا قنواته، وجوّدنا الفكر المصدّر إلى تلك العقول الكامنة في المدارس القابلة للاستزراع؛ يقول جاك فوستر: «كلما كانت الأفكار أصيلة كانت التغييرات جذرية».
وأول مراكب الصيد أن يعي الطلاب أن التعليم المدرسي لا يغني عن التعليم الذاتي؛ فالأول يجلب لهم وظيفة، والثاني يمنحهم عقلا مطوّرَا ومطّوِرا.
ومن شواهد قولي ما تحدّث به معالي وزير التعليم في كلمته ذات المسار التصنيفي الواضح، والألق اللغوي البديع، بمناسبة العام الدراسي الجديد قائلا «المؤسسات التعليمية تملك مقومات عظيمة.... الخ الكلمة» وهذه شهادة من حاكم المدارس وحكيمها؛ فلعل معاليه قد سلّم المدارس المفتاح الذهبي لصناعة التعليم، واستخراج كنوز الدافعية، وتوزيعها على المتعلمين في حقائبهم الدراسية، حيث هي قوة المدارس وتميزها والإطار الساطع لملامحها
لكن قبل ذلك كله لا بدّ من التثبت من وصول البضاعة سليمة. وانتسابها لحياة الطلاب
قلبا وقالبا.؛؛؛؛ ولا بناء إذا لم ترس أوتاد.