الإعلام الرسمي السعودي بصفةٍ عامة يسير على نمطٍ واحدٍ في معايير بثه للمادة الإعلامية، إذ تحكمه ضوابطُ مقررة وشروطٌ متَّبَعة، وهذا على الأعم الأغلب، لكنكَ حين تتابع صحافتنا وقنواتنا الرياضية تُـحِسُّ فرقاً في هذه المعايير، بل تشعر في بعض الأحيان وكأنك تتابع إعلامَ دولةٍ أخرى، ليست هي التي تقرأ أخبارها الاقتصادية والثقافية والسياسية...، فمعايير النشر في إعلامنا الرياضي تختلف عنها في بقية فروع الإعلام السعودي! إذْ لا وجود على الأرجح للخطوط الحمراء والأسقف المنخفضة والشروط المتبعة والضوابط المقررة- كل هذه لا وجود لها في هذا الإعلام إلا ما ندر!
الإعلام الرياضي السعودي أتاح له حُسْنُ الطالع أن يزهو على أفراد أسرته (الإعلامية) وأنْ يُدِلَّ ويفاخر بالحرية الممنوحةِ له على (بياض) مخترقاً قوانين هذه الأسرة الإعلامية، ومنتهكاً مواثيقها ومتجاوزاً خطوطها ومحلّقاً في فضاءاتها كيفما شاء التحليق، ودونما سقوفٍ تَحُدُّه ومقصات تهذّبُ أجنحته.
ليست هذه المقالة دعوةً إلى تقييد الحريات في الإعلام الرياضي، بل هي مطالبةٌ بإجراءٍ تصحيحي لهذه الحرية الممنوحة (على أربعة شوارع)! فحين تمارس حريتك إلى الحد الذي تضر بها الآخرين الذين يُشَكِّلون مجتمعك؛ فإن (الحرية) حينها تتحول إلى (اعتداء)، وهذا هو ما يحدث في إعلامنا الرياضي، ولا أعمم.
بالأمس القريب فاز فريق جماهيري سعودي على غريمه التقليدي، فكتبتْ إحدى الصحف عناوينَ تهكمية استفزازية تنضح بروح التشفي لا التنافس الشريف، وتشحن نفوسَ جماهير النادي المهزوم دون مراعاةٍ لمآلاتِ هذه التصرفات الإعلامية غير المسؤولة، ناهيك عن أنها تقوِّضُ كلَّ الجهود التي بذلت في سبيل نبذ التعصب الرياضي ولاسيما وقد بدا منه رأسُ الجليد.
تفتقد صحافتنا الرياضية بالذات لمعايير واضحة في نشر المقالات والعنوانات (المانشيتات)، وهي في بعض أحوالها تخضع لمزاج رئيس التحرير أو المشرف على الصفحة الرياضية الذي يجد نفسه مضطراً لترويج عنوانٍ صارخ يلفتُ به الأنظارَ لجريدته! نعم.. فأسهل طريقةٍ لكسب جماهير نادٍ كبير ليستْ في مدح هذا النادي، بل هي في قدرتك على استفزاز (المنافِس) والتهكم بجماهيره! وقد أصبح (تويتر) أرضاً خِصْبَةً لكثيرٍ من هؤلاء الإعلاميين (الاستفزازيين)، فواحدهم حين يريد كسبَ جماهير فريقه؛ لا يتخذ من المدح سبيلاً لذلك، بل يلجأ إلى السخرية الجارحة من الخصم أو (الطقطقة) كما يحلو للبعض أن يسميها، ولا تسل عن الأساليب الصبيانية والطرق السامجة التي يسلكها هذا (المغرد) ليتخندق حوله أكبر عددٍ من الجمهور.
وحين تُصَوِّبُ عينيكَ نحو البرامج الرياضية تجد كماً كبيراً من المهاترات الكلامية، تنتفخ فيها الأوداج، وتَحْمَرُّ لها الأعين، وتشتعل بها النفوس، ويتحفز كل خصم للوثوب بخصمه والنيل منه! فضلاً عن الأوصاف الفضفاضة التي تُضْفَى على لاعبين محليين لم يقدموا معشار ما يقدمه اللاعب الأوروبي أو اللاعب (الأمريكي الجنوبي) المتميز، من قبيل: «الأسطورة الخالدة» و»أسطورة الأجيال» ونحو ذلك من النعوت الباذخة التي أصبحتْ مألوفة في لغة الإعلام الرياضي، على أن تعريف «الأسطورة» اصطلاح لا يخدم المعنى الذي يقصده الإعلاميون الرياضيون! ومثل هذا يقال في مدح الأندية أيضا.
إن الإعلام الرياضي السعودي ابتُلي بظاهرة الإعلاميين، الذين مُهِّدَتْ لهم السبل الإعلامية ودُعِموا مادياً ومعنوياً لا لينشروا محاسن أنديتهم التي ينتسبون إليها صراحةً أو من وراء حجاب، بل ليمارسوا شغباً حول خصومهم من الأندية الأخرى، ولِتُصَفَّى عن طريقهم حساباتٌ شخصية لـ(مُعَزِّبيهم)، والضحية في هذا هو الجمهور الغرير الذي يتوحشُّ سلوكه يوماً بعد يوم ضد منافسه من الأندية الأخرى إلى الحد الذي أصبحنا نسمع فيه اعتداءاتٍ لفظيةً من الجمهور ضد لاعبي الأندية المنافسة والسخرية منهم، في ظاهرةٍ لم نكن نسمعها أو نشاهدها قبل هذه الموجة الأخيرة من التعصب!
لا يفوتني أن أنوه في هذا الشأن بدراسةٍ استطلاعية أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تُفِيْدُ بأن 25% من المشاركين في الدراسة يرون أن استضافة إعلاميين رياضيين في البرامج الرياضية هي من أهم أسباب تنامي مشكلة «التعصب الرياضي». وأضيفُ إلى ذلك بعضَ مقالات الإعلاميين المتعصبين وبعض عناوين الصحف وتقاريرها، وبعضَ حسابات التويتر. وكلُّ هذه الوسائل تجعل هدفها الأول كسبَ أكبر قدر من جمهور ناديها بالسخرية من خصمه! وتباً للحقيقة حينها.. وسُحقاً للروح الرياضية الطيبة.. وبُعداً للتنافس الشريف!
يا عقلاء الإعلام! أدركوا الإعلامَ الرياضي قبل أن تندلع نيران أتونه فتُحْرِقَ البريءَ قبل المتورط و(الفتنة عمياء).
- عبدالإله بن سودا