د. عبدالرحمن محمد السلطان
المعضلات الجمّة التي تواجه دول منطقة اليورو منذ إطلاق العملة الأوروبية الموحّدة تظهر كم كانت تركيا محظوظة عندما قابل الاتحاد الأوروبي جهودها الحثيثة للانضمام بالصد مقارنة بدول شرق أوروبا التي بادر بقبولها رغم أنها لا تملك حتى ولو جزءًا من مؤهلات تركيا، والذي أظهر أن الأوروبيين ينظرون إلى اتحادهم كتكتل مسيحي يصعب معه قبول انضمام تركيا، إلا أن تركيا رغم ذلك خرجت كأكبر رابح من قيام هذا الاتحاد بتحقيقها لثلاث مكاسب لم تكن لتحقق لها لولا ذلك:
1- أن تركيا أجبرت على إجراء إصلاحات اقتصادية قاسية ضمن برنامج تأهيل تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كان أبرزها ضرورة إنهاء هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي وإزالة مختلف أشكال الدعم الحكومي، ارتفعت معه كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية بشكل هائل انعكس في تحقيق تركيا لمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة خلال العقدين الماضيين. فكون هذه الإصلاحات ضمن متطلبات جهود الانضمام للاتحاد الأوروبي ضمن ألا تجرؤ أي مجموعة ضغط على الوقوف في وجه هذه الإصلاحات حتى لا تتهم بأنها تعرقل جهود تركيا للانضمام، من ثم فهذا الإصلاح الاقتصادي الشامل لا يمكن تصور حدوثه مطلقاً لو لم تجبر عليه تركيا ضمن مسعاها للانضمام للاتحاد الأوروبي.
2- ازدهار الديمقراطية التركية وتلاشي هيمنة الجيش على الحياة السياسية في تركيا يعود بشكل أساس لمساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فرغم أن الجيش لم يكن مستعداً للتنازل عن سلطاته المطلقة وهيمنته على الحياة السياسية كما يبدو واضحاً من الانقلابات العسكرية العديدة التي حدثت في تركيا، إلا أنه لم يجرؤ على الانقلاب على السلطة المنتخبة ديمقراطياً مع انطلاق جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كون ذلك سيعني إنهاءً تاماً لأي إمكانية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبالتالي سيتحمّل الجيش مسؤولية فشل جهود الانضمام. ومع ترسخ العملية الديموقراطية تقوّضت سيطرة الجيش على الحياة السياسية بشكل كبير بحيث أصبح الآن من المستبعد جداً إقدام الجيش على الانقلاب على السلطة المنتخبة، خاصة في ظل محاكمة قادة الجيش الذين تورطوا سابقاً في انقلابات عسكرية سابقة وصدور أحكام قاسية في حقهم، وكل ذلك لم يكن ليكون ممكناً لولا جهود انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
3-عدم الانضمام في حد ذاته كان مكسباً هائلاً لتركيا. فلو أن تركيا انضمت فعلاً للاتحاد الأوروبي فستكون الآن على الأرجح جزء من منطقة اليورو، وبالتالي لعانى اقتصادها من نفس الأوضاع المزرية التي تعاني منها اقتصادات جنوبي أوروبا كونها أصبحت تفتقر للمرونة اللازمة التي تمكنها من حل وتجاوز معضلاتها الاقتصادية. فعدم انضمام تركيا مكنها من استمرار تحقيق معدلات نمو عالية في الوقت الذي كانت دول منطقة اليورو تعاني من ركود اقتصادي بفضل استقلالية قرارها الاقتصادي الذي ضمن لها المرونة المالية والنقدية التي مكنتها من معالجة معضلاتها الاقتصادية بكفاءة والتي كانت ستفقدها لو كانت عضواً في منطقة اليورو.