سلطان المصادري
«قوقل ليست شركة تقليدية ولا نريد أن تكون كذلك». بهذه الكلمات بدأ لاري بيج وسيرجي بين مؤسسي شركة قوقل رسالتهم إلى مساهمي الشركة الصغيرة قبل أيام من طرحها للاكتتاب العام في شهر أغسطس من العام 2004 بعد خمسة سنوات من تأسيس الشركة التقنية الواعدة. اقتبسوا الكثير من الكلمات التي وردت في رسالة عملاق الاستثمار الأول في التاريخ الملياردير الأمريكي وارن بافتو التي كتبها لمساهمي شركته القابضة بيركشيرهاثاواي في عام 1996.
وأكد بيج وبين على أن شركة قوقل لن تكون شركة تقليدية وأعلنوا عزمهم على خوض الكثير من الرهانات الصغيرة والمغامرات المجنونة وكشفوا عن جرأة غريبة في اقتحام أسواق جديدة. مثلت تلك الرسالة التأسيسية كتاباً مقدساً التزمت به قوقل عبر السنين حتى عاد لاري بيج وسيرجي بين بعد مرور 11 عاماً من كتابة تلك الرسالة التي كتبت فصولاً جديدة في تاريخ البشرية ليعلنوا للعالم تأسيس شركة قابضة جديدة أطلقوا عليها ألفابيت تضم تحت جناحها شركة قوقل وجميع الشركات التي تملكها الأخيرة.
تأسيس إمبراطورية ألفابيت عائد لتأثر مؤسسي قوقل بفلسفة عراب الاستثمار الأول في العالم وارن بافت والذي يدير شركة قابضة تملك استثمارات في السكك الحديدية والكهرباء والغاز والتجزئة والمجوهرات والحلويات والمفروشات وتملك حصص سهمية في شركات كوكا كولا وآي بي ام وويلز فارقوا وغيرها الكثير. لكن لماذا اتبعت قوقل أنموذج بافت، ولماذا أسست شركة ألفابيت القابضة، وماذا تطمح له من هذا التكتل الرهيب من الشركات؟.
تملك قوقل عشرات المنتجات التي من العبث إحصائها بسبب استخدام العالم لها بكل لحظة ابتداء من محرك البحث الوحيد إلى نظام تشغيل الهواتف الأفضل إلى عدد هائل من التطبيقات التي لا يمكن الاستغناء عنها مروراً بمشروعات مستقبلية مثل السيارات الآلية والروبوتات العسكرية وطائرات بدون طيار، وانتهاء بمناطيد الإنترنت وأبحاث كاليكو الحيوية التي تهدف إلى إطالة الحياة.
هذه المنتجات العبقرية والمشروعات المجنونة كانت نتاج سنوات طويلة من الأبحاث الكثيرة في مطابخ قوقل وبسبب استحواذها على ما يزيد عن 200 شركة عبر عمرها القصير. بعد أن بلغت طموحات قوقل حداً لا يستطيع أحد تخيله وبعد أن خرجت تماماً من عباءة الإنترنت وفضاء التكنولوجيا إلى أسواق ومجالات أخرى مختلفة، كان حتمياً إعادة هيكلة الشركة بعد أن توسعت وتضخمت وانتشرت بمنهجية غريبة لم تتبعها أي شركة أخرى بالتاريخ. هنا ولدت ألفابيت.
«ألفابيت» ببساطة هي شركة قابضة تضم تحتها شركة قوقل والمسؤولة عن منتجات البحث والأندرويد واليوتيوب والكروم والإعلانات والتطبيقات والقطاعات الأخرى الأصغر مثل اكس لاب وكاليكو ونيست وغيرها. إذن «ألفابيت» هي شركة أم تضم تحت جناحها جميع الشركات التي كانت تملكها قوقل بما فيهم قوقل نفسهم. لن تتحول «ألفابيت» إلى علامة تجارية ولن تقوم بإصدار أي منتجات تحت اسمها وستكتفي بالمنتجات التي تخلقها شركاتها التي تملك. «ألفابيت» هي «شركة قابضة» بسبب عدم إصدارها لأي منتجات أو خدمات خاصة بـ «ألفابيت» وبنفس الوقت هي «تكتل للشركات» بسبب امتلاكها لشركات مختلفة في قطاعات وأسواق عديدة. «ألفابيت» مولود ظهر للعالم فجأة وأصبح يتحكم بمصائر البشر وهو الذي لم يتجاوز عمره أيام قليلة.
اختار بيج وبين اسم «ألفابيت» لمولودهم الضخم للدلالة على أهم اختراعات البشرية وهي «حروف الأبجدية» ولتكون ألفابيت كيان عملاق يحمل تحت مظلته شركة لكل حرف من حروف الأبجدية تغير العالم بطريقتها الخاصة. كان الهدف الرئيسي من إنشاء «ألفابيت» هو إعادة هيكلة شركة قوقل لتصبح الشركات التابعة لها مستقلة وشابة ومنتجة بشكل أكبر.
سيكون لكل شركة تحت جناح «ألفابيت» رئيس تنفيذي خاص وميزانية ربعية مستقلة تعلن بها الأرباح والخسائر بكل شفافية. هذا الاستقلالية لها فائدة عظيمة تكمن بالتحول من قطار واحد ضخم يتحرك باتجاه واحد إلى مجموعة من القاطرات المتفاوتة الحجم والإمكانيات والتي سيتم إطلاقها بكل الاتجاهات وبسرعات مختلفة وعبر ميزانيات صارمة ومتابعة دقيقة. سيكون لكل شركة هدف محدد وميزانية تحكمها أرقام الأرباح والخسائر وبهذا يمكن بكل سهولة ضخ المزيد من الاستثمارات بالشركات الناجحة وربما بيعها أو فصلها بشكل كلي، ومن جهة أخرى التضيق على الشركات الفاشلة وربما اقفالها أو إعادة بيعها.
لن تتحرك قافلة قوقل ببطء بسبب مرض أحد افرادها بل سيكون كل جزء من أجزاء الشركة منفرداً يتحرك بكل سهولة وحرية. ستسمح هذه الانقسامات التي جرت تحت «ألفابيت» لشركة قوقل (وهي الشركة الأهم في تكتل ألفابيت) بالتركيز على منتجاتها الناجحة التي تتحكم بالأسواق العالمية حالياً مثل محرك البحث والأندرويد واليوتيوب وتصبح قو قل (قوقل وليس ألفابيت) شركة أصغر وأسرع بعد تخلصها من متابعة عدد هائل من الشركات الأخرى. لهذا السبب، ستتمثل أول نتائج ولادة ألفابيت في حدوث نقلة نوعية في منتجات قوقل عبر ادارتها الجديدة وسيلحظ العالم اكسير الحياة الذي صب في عروقها المتجددة خلال بضعة أشهر لا غير. وسيستمر الأندرويد بسيطرته على المركز الأول عالمياً وسيكمل قطاع الكروم رحلة الصعود إلى القمة وستزيد أرباح الإعلانات وعوائد اليوتيوب ولن يحدث أي تغيير في سيطرة محرك بحث قوقل الكاملة على شبكة الإنترنت.
كان أول التغيرات الإدارية التي حصلت بعد نشأة «ألفابيت» هو صعود مؤسسي الشركة لاري بيج وسيرجيبين إلى الطبقة الأعلى بالتكتل ليشغل الأول منصب الرئيس التنفيذي لـ«ألفابيت»، بينما حاز الثاني على كرسي رئيس الشركة. مهندس البرمجيات الهندي سانداربيتشاي احتل منصب الرئيس التنفيذي لشركة قوقل بعد أن كان يشغل هذا المنصب بشكل غير رسمي بالأشهر التسعة الأخيرة.الشركات المرشحة للاستقلال عن شركة قوقل الجديدة هي كاليكو وهي شركة الأبحاث الحيوية التي تهدف إلى محاربة الأمراض واطالة الحياة وشركة نيست للترموستات الذكية وقوقل فينشرز للمشروعات الصغيرة وقوقل كابيتال للمشروعات الكبيرة وقوقل فايبر لمشروعات الألياف البصرية وشركة هولي للطائرات بدون طيار وشركة لايف ساينسز المختصة بالعدسات اللاصقة الذكية لمرضى السكري، وأخيراً القطاع الأكثر تشويقاً وخوفاً عبر شركة مختصة لمعامل اكس لمتابعة مناطيدها لنشر الإنترنت في الدول الفقيرة ولروبوتاتها العسكرية التي ستحتل العالم في يوم ما. عندما جلس لاري بيج وسيرجي بين في مطعم قورمت الصيني في مدينة بالوا التو الأمريكية مع ممثلين لشركتيي اهو والتافيستا في عام 1996 لتسويق محرك البحث البسيط الذي يملكون، لم يدر بخلدهم بأن شركة ياهو سترفض شراء برمجيتهم بسبب سرعتها الفائقة ولا أنهم سيقومون بتأسيس إمبراطورية ألفابيت.. كيف تحول مشروع صغير بدأ قبل عشرين سنة إلى إمبراطورية ضخمة تدير العالم عبر أذرعتها التكنولوجية؟.
إذا لم تعرف الإجابة لغاية الآن، قوقل آت.