سلطان المصادري
مثّل الخامس والعشرون من شهر يناير من العام 2007 أحد أهم الأيام في تاريخ شركة آبل، العلامة التجارية الأرقى في العالم. في ذلك اليوم، تخلت الشركة عن مسمى شركة آبل كمبيوتر الذي عُرفت به منذ نشأتها في منتصف السبعينيات الميلادية وحولت اسمها ببساطة إلى شركة آبل في تغيير جوهري في إستراتيجية الشركة. سارعت «آبل» للإجابة على التساؤلات التي طُرحت بذلك الوقت عن سبب تغيير مسمى الشركة حيث أعلنت في نفس اليوم عن جهازها الثوري «آبل أيفون» وأتبعته بمنتج آخر جديد «آبل تي في». هذا التغيير «البسيط» في تحولها من شركة منتجة للكمبيوترات الشخصية «وهو الجهاز التي كانت الشركة أول من أطلقه في تاريخ البشر» إلى شركة للمنتجات الرقمية، بدأ بشكل فعلي في عام 2001 عندما أعلنت آبل عن جهاز ثوري لتشغيل الموسيقى «الآيبود». شركة آبل طرحت مؤخرا ساعة آبل وهو المنتج الأخطر بتاريخ الشركة وسيحمل طرحه أبعادًا كبيرة على حاضر ومستقبل الشركة. ما الذي دفع «آبل» إلى ذلك التحول؟ ما هي ثمار هذا التحول؟ وأين تقف طموحات «آبل»؟
عندما عاد ستيف جوبز لشركة آبل في عام 1997 بعد طرده منها بعام 1985، تمثل أول قرار اتخذه في التخلي عن العديد من منتجات آبل الفاشلة في ذلك الوقت من كاميرات وطابعات وخوادم ومساعدات إلكترونية «بل وحتى تي شيرتات» حيث قلص منتجات الشركة إلى أربعة فقط توزع على قطاعي الحواسب المحمولة والمكتبية.
كانت «آبل» على حافة الإفلاس بعد سنوات طويلة من الخسائر المتتالية والمنتجات الفاشلة (كان أحدها إنتاج ساعة آبل وجهاز آبل اللوحي نيوتن فى عامي 1994 - 1993) أعاد هذا القرار «آبل» للحياة وأنقذها من الإفلاس الذي كان على مسافة 90 يومًا (بالطبع بعد استثمار مايكروسوفت «السخي» عبر شرائها لحصة أسهم بمبلغ ربع مليار دولار). لكن «آبل» بدأت في نفس العام تقريبًا العمل على جهاز الآيبود الثوري لتشغيل الموسيقى «الذي قتلته «آبل» رسميًا قبل شهور» وهو الجهاز الذي أعاد مؤشر شركة آبل للنطاق الأخضر. ابتعاد «آبل» عن محاولة المنافسة في سوق الكمبيوترات الشخصية التي تعمل بنظام ويندوز الذي تنتجه شركة مايكروسوفت كان قرارًا ذكيًا اكتسحت من خلالها سوق المشغلات الرقمية واعتلت قمته لما يزيد عن العقد حتى خرجت منه بعد خروج «السوق» نفسه من سوق المنتجات الاستهلاكية العالمية بعد انتشار الهواتف الذكية التي حلت محل المشغلات الرقمية.
«آبل» اكتشفت سوقًا مربحًا جديدًا وغير مستغل وعادت لتكتسح سوق الهواتف المحمولة في عام 2007 عبر إطلاقها لأول هاتف ذكي «حقيقي» وهو المنتج الذي زاد أرباح الشركة الصافية من مليارين في عام 2006 إلى أربعين مليارًا في عام 2014 في تضاعف رهيب لعوائدها وأرباحها الصافية كان الأعلى في تاريخ الشركات عبر التاريخ.
بالرغم من عدم تحقيق «آبل» لأي نجاح يذكر في منتجها آبل تي في (الذي برر ستيف جوبز فشله بكونه مجرد «هواية»)، إلا أن نجاح جهاز الآيفون الساحق شجعها لإطلاق جهاز الآيباد في عام 2010 الذي اكتسحت به أيضًا سوق الأجهزة اللوحية مكررة تجربة الآيفون، وإن كانت المبيعات أقل بشكل كبير. هذه النجاحات المتتالية في سوق المشغلات الرقمية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية زاد من مبيعات أجهزة «آبل» الأخرى في قطاع الحواسب الشخصية والمكتبية ولو بشكل «مجهري». لكن كل ذلك لم يكن كافيًا لضمان استمرار «آبل» في حصد النجاحات والسيطرة على الأسواق ولهذا ظهرت الفكرة بطرح منتج جديد تسيطر به على سوق جديد وكان ذلك بإطلاق ساعة آبل.
ساعة آبل الذكية حازت قبل طرحها على كمية اشاعات هائلة وتم الحديث عنها بشكل كبير لثلاثة أسباب بسيطة. الساعة تعتبر المنتج الأول الذي تطرحه شركة آبل بعد وفاة زعيمها الخالد «ستيف جوبز». أيضًا الساعة تعتبر المنتج الذي سيُمكن آبل من تجاوز حاجز التريليون دولار من ناحية القيمة السوقية (تراوح قيمتها الآن بين 600 مليار - 700 مليار).
وأخيرًا، ساعة آبل هي المنتج القادر أيضًا «وبنفس القوة العكسية» على الإطاحة بشركة آبل من قمة الشركات بالعالم في حال فشلها. الخطير في مسألة ساعة آبل الثانية (طرحت آبل ساعة في عام 1995) بأن كل الاحتمالات واردة، فالبعض يذهب إلى فشل ذريع وآخرون يتوقعون نجاحًا ساحقًا.
شخصيًا أعتقد بأن ساعة آبل لن تحقق نجاحًا هائلاً يوازي نجاح الآيفون لكن الساعة ستقف في المنتصف بين الآيفون المنتج الأعلى مبيعًا وبين الآيباد الذي تستمر مبيعاته في الانحدار.
الأكيد أن «آبل» لن تسيطر هذه المرة على سوق الساعات الذكية كما فعلت سابقًا بسيطرتها على أسواق المشغلات الرقمية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.
طموحات «آبل» لا توجد لها حدود ولا يعتليها سقف والأخبار المتداولة مؤخرًا عبر الأبحاث والتجارب التي تجريها الشركة لطرح سيارة كهربائية آلية تحمل شعار التفاحة المقضومة تثبت جرأة الشركة عبر اقتحامها لسوق جديد يتمثل بالمركبات الشخصية. كل الأسواق التي اقتحمتها «آبل» في تاريخها، كانت إما جديدة أو ناشئة أو غير مستغله، ولهذا سيشكل سوق السيارات المُشبع «وغير المربح للشركات العاملة به» تجربة فريدة وسيضيف إثارة مشتعلة وجدل محتدم يفوق طرح الشركة لجهاز آيفون جديد.
ختامًا، بالرغم من أن «آبل» تمر في فترة انتعاش رهيب من المبيعات وأسهمها تحقق أرقامًا قياسية في سوق الأوراق المالية وبالرغم من حيازتها على كمية هائلة من «الكاش» تمكنها من شراء دول إلا أنها تمر بأخطر فترة في تاريخها، فالأشهر القليلة القادمة ستشكل ملامح مستقبل الشركة القريب وستمر الشركة بمجموعة من التغييرات التي تؤثر على مستقبلها البعيد.
شاءت «آبل» أم أبت، لكن فقد رجل مثل ستيف جوبز سيؤثر عليها، عاجلاً.. أم آجلاً.
- كاتب ومحاضر سعودي