بعض الناس يعلنون عكس ما يبطنون، ويدخل هذا الأمر في باب خيانة الذات، والكذب عن سابق تصوّر وتصميم على الآخرين، وذلك لأهداف ومآرب غير نبيلة، وأحياناً حقيرة.
يقال في المتداول الشعبي: «الكَذِبْ ملح الرجال»، ويُطلق هذا الوصف عليهم تحبّباً، وذلك من باب الدعابة، على الرغم من ملامسته للحقيقة في كثير من الأحيان، هذا إلى جانب أن العديد من الرجال يعانون من ارتفاع معدل «السكَّر في الدم – وليس الملح – ومع ذلك فإنهم بغزارة لافتة يكذبون!!
لقد استدرجتني هذه المقدمة إلى وقائع حكاية جرت أحداثها منذ مدة ومفادها أن أحد الناشطين في عالم التجارة قد جَمَعَ في شخصه «ملاحة» الشكل و»ملوحة» الكذب! وكان على علاقة سرّية مع إحدى النساء مع أنه متزوج ورب عائلة، واعتاد أن يغيب من وقت لآخر عن البيت الزوجي مبتكراً شتى الأعذار والحجج والمبرّرات الكاذبة.
أحد الأيام اتفق مع عشيقته أن يسافرا معاً في رحلة استجمام إلى فرنسا، وبناءً على ذلك فقد أخبر زوجته بأنه سيسافر الأسبوع القادم ولمدة عشرة أيام إلى «ماليزيا»، وذلك لإبرام صفقة تجارية كبيرة، وبالفعل اشترى بطاقة سفر على الطائرة الماليزية، بهدف التمويه وتغطية الكذب، ووضع تلك التذكرة على إحدى الطاولات في البيت لتراها الزوجة وعليها رقم وتاريخ الرحلة منعاً لأي نوع من أنواع الريبة والشكوك. كان صاحبنا قبل ذلك قد نسَّق مع عشيقته كل أمور السفر إلى فرنسا. في اليوم المحدّد للانطلاق ودّع زوجته، التي تمنّت له التوفيق والعودة سالماً، ثم استقلَّ سيارة تاكسي إلى المطار، حيث سبقته العشيقة التي سيلتقيها على متن الطائرة الفرنسية.
وصل إلى المطار، ومن هاتفه الجوّال تكلّم مع زوجته وأخبرها بأنه في تلك اللحظة على سلّم الطائرة الماليزية – مع أنه كان على سلّم الطائرة الفرنسية- وأسمعها سيلاً من العبارات الرقيقة التي تبيَّن مدى حبِّه لها وكيف أنه سيشتاق للأولاد، وأنهى كلامه قائلاً: عزيزتي سأقفل الخط لأنني دخلت إلى صالون الطائرة، ثم دخل إلى صالون الطائرة الفرنسية. وهكذا، أقلعت الطائرة الماليزية قبل إقلاع الطائرة الفرنسية بقليل، وتمَّ كل شيء كما كان مخطّطاً له. وبعد طيران لمدة خمس ساعات وصل العاشقان المتيَّمان إلى «باريس» بأمان واطمئنان وسلام!
في اليوم التالي ضجَّت وسائل الإعلام المرئية ووكالات الأنباء، بخبر اختفاء الطائرة الماليزية، التي من المفترض أن صاحبنا على متنها!! وبنتيجة هذه الأخبار الصاعقة أُصيبَ العاشق الولهان بانهيار عصبي من الدرجة الأولى، ثم قرّر فوراً العودة إلى الوطن لأن زوجته ستبلغ الشرطة والأمن العام والسلطات المختصة عن اختفائه! وذلك لوجوده على متن الطائرة الماليزية! وهكذا، فقد تحطّم كل ما خطَّط له ذلك التاجر مع عشيقته وعاد ذليلاً معترفاً بأخطائه الفادحة وخيانته الموصوفة.
إلى اليوم، هناك دعوى طلاق مقدَّمة من قِبَل الزوجة، حيث يسعى محامي الزوج الخائن بكل الوسائل إلى إصلاح الأمور، إلا أن جواب الزوجة النهائي كان حاسماً: إنه بالنسبة لي وللأولاد هو «المرحوم»! لأنه في عِداد الأموات الذين قضوا نحبهم بكارثة الطائرة الماليزية!!
- غازي قهوجي
kahwaji.ghazi@yahoo.com